حفظ النفس الإنسانية بين شذوذ الفقهاء ومحكم القرآن

10-09-2024

من مظاهر التكريم العظيمة للإنسان أن وهبه الحياة، وجعل الأصل في النفس الإنسانية الحُرمة والعصمة من القتل -إلا بالحق- بصرف النظر عن الدين أو المذهب أو العِرق أو اللون أو.. إلخ.

 والآيات القرآنية الصريحة والقاطعة في ذلك عديدة؛ فمنها قوله تعالى:

 (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) [الأنعام: 151].

 وقال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) [الإسراء: 33].

وقال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) [البقرة: 178].

والنفس في القرآن لا تُقتل إلا في حالة القصاص، نفس بنفس، مع إمكانية العفو. أو في حالة الفساد في الأرض كقطاع الطرق الذين يمارسون القتل والخطف والسلب والنهب، ونحو ذلك مما يهدد أمن المجتمع، وهؤلاء المفسدون تتفاوت عقوبتهم بحسب الجرم الذي اقترفوه، ما بين قتل وحبس وغيرهما.

ومع قطعية النصوص وصراحتها في تحريم قتل النفس الإنسانية، إلا أن بعض الروايات والفتاوى الفقهية تساهلت في دماء الناس؛ حيث جعل الفقهاء (أساس عصمة النفس البشرية من القتل الإسلام والأمان)، وهذا التأسيس خطير جداً ومخالف لكتاب الله تعالى؛ فعلى هذا فالمسلم إذا ارتد ردة عقائدية يصير مهدر الدم، ومن قتل هذا المرتد لا يُعد قاتلاً. والمستأمن (غير المسلم) يصير مهدر الدم بانتهاء أمانه.

 بل جاءت بعض الفتاوى الفقهية لتقول: إن المسلم إذا قتل ذمياً أو مستأمناً فلا يُقتل المسلم لأن الكافر لا يكافئ المسلم، ولكن الكافر يُقتل بمسلم إذا قتله، لأنه قتل الأدنى بالأعلى.

وعلى هذا فالمواطن غير المسلم أو السائح أو العامل غير المسلم إذا قتله رجل مسلم فلا يُطبق هؤلاء الفقهاء محكم الآيات التي تأمر بالقصاص، أو التي تجعل الأصل في النفس الإنسانية الحرمة.

وأيضاً أحصى أحد الباحثين 427 فتوى لأحد الفقهاء يقول فيها الفقيه عن المسلم: (يُستتاب وإلا قُتل)؛ منها على سبيل المثال:

الرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس، أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.

مَن لم يقل أن الله فوق سبع سماواته فهو كافر به حلال الدم، يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه وأُلقي على بعض المزابل.

مَن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه، فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.

أكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين، فمن أكلها مستحلاً لذلك فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.

وأطلق أحد فقهاء التطرف المعاصرين فتوى عنوانها: (فتوى عظيمة الشأن في قتل الذراري والنسوان) أباح فيها قتل الأطفال وقتل النساء الجزائريات المتزوجات من ضباط؛ بحجة الضغط على الطاغوت، والتخفيف عن المجاهدين، وأن الأصل في قتل الذراري والنسوان ليس حراماً لذاته بل حرام لغيره. مع أن الله يقول (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) (البقرة).

وخطورة هذه الفتاوى أنها تقطر بالدماء، وتفتح باب شر وفساد مستطير في المجتمعات باسم الدين؛ وخاصة إذا تعلق إهدار الدماء بجماعات وطوائف أخرى تخالفها في المذهب أو الدين، فيستحلون دمها ومالها بهذه الفتاوى، مخالفين صريح الآيات في تحريم قتل النفس، وصريح الآيات التي لا تسمح بالقتال إلا لمَن قاتلنا، ومخالفين صريح الآيات التي تُقرر حرية الكفر والإيمان وتُقرر نفي الإكراه. قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقال تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقال مخاطباً نبيه: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب).

قال المحدِّثون في تعريف الحديث الشاذ: ما خالف فيه الثقة الثقات أو من هو أوثق منه، ونحن نقول ألا تُعد الرواية أو الفتوى شاذة إذا خالفت محكم القرآن، وخالفت الفطرة الإنسانية، والعقل السليم. قال تعالى: (أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) [فاطر: 8]. 

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

حفظ النفس الإنسانية بين شذوذ الفقهاء ومحكم القرآن

غسان النبهان

10-09-2024

آراء الكتاب

الاختلاف في الوحي ليس من الله

غسان النبهان

20-09-2024

آراء الكتاب

حاكمية الإنسان وحاكمية الله

غسان النبهان

02-09-2024

آراء الكتاب

الفِرقة الناجية مَن تعمل صالحاً

غسان النبهان

14-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

ارسل بواسطة