التعددية وضوابطها في القرآن

02-09-2024

إن عالمية الرسالة الخاتمة المتمثلة بالقرآن الكريم تُحتم أن تكون التعددية ركناً أساسياً في بنية تكوينها، وإلا انتفت عنها صفات الخاتمية والعالمية والرحمة. (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء: 107).

والقرآن خطاب من حي إلى أحياء يعكس في آياته واقع الكون والوجود، فكما نرى أن التعددية ظاهرة طبيعية في الوجود فحتماً سنراها في كتاب الله؛ لأن قول الله في كتابه يتطابق مع فعله في الكون والوجود، فالقول والفعل مصدرهما الحكيم العليم الذي يتطابق قوله مع فعله دون تفاوت أو تناقض، قال تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (الملك: 103).

وتقتضي التعددية في الرسالة الخاتمة الإقرار بوجود التنوع ضرورة داخل المجتمع بكافة صوره وأشكاله من أفكار ومعتقدات وأنظمة وسلوكيات، وألسنة وألوان.. إلخ، وهذا ما نراه صريحاً في عشرات الآيات القرآنية، وهذا ما طبقه النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام عملياً حين أسس دولة المدينة.

 فمن الآيات الكريمة الدالة على التعددية والتنوع:

وحدة الأصل الإنساني ثم تنوعه: أقر القرآن وحدة الأصل الإنساني مع تعدد الأعراق والأجناس والشعوب دون أن يكون هناك فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أبيض إلا بالتقوى التي تنفع الناس، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13).

الملل والطوائف المختلفة: وعدد القرآن الطوائف والملل والاتجاهات العقائدية المختلفة كجزء أساسي من المجتمع. قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) (الحج: 17).

حرية الإيمان والكفر: وأما الجانب العقائدي والفكري فترك الله في كتابه الحرية الكاملة لمن أراد أن يؤمن أو يكفر (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وهذا يقتضي ضرورة تعدد الآراء والاعتقادات والفلسفات والأفكار.

العرف: أمر الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بأن يأمر بالعرف والذي مجاله حقله المباح بما لا يحرم حلالاً ولا يحلل حراماً كاللباس والعادات والفنون.. إلخ، قال تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (الأعراف: 199)، والعرف من طبيعته التغير والتعدد والاختلاف من مكان لآخر ومن زمان لآخر.

الألوان والألسنة: قال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) (الروم: 22).

وهذه التعددية حماها القرآن بضوابط واضحة فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

الجدال والدفع بالتي هي أحسن: قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125)، وقال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت: 34).

إقامة الجدال والحوار على أساس البراهين: (أم اتخذوا من دونهم آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) (الأنبياء: 24).

النهي عن سب معتقد الآخر: قال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) (الأنعام: 108).

النهي عن السخرية والتنابز بالألقاب: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) (الحجرات: 11).

نفي الإكراه: قال تعالى: (لا إكراه في الدين) (البقرة: 256)، وقال: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس: 99).

إن عالمية الإسلام ورحمته تتجلى في نصوصه قطعية الثبوت والصريحة في دلالاتها على التعددية والتعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع، فما توافق مع كتاب الله تعالى في ذلك من الفقه والتراث فهو حق وصدق، وما خالفه فهو باطل يجب تركه والعمل بمحكم النصوص القرآنية، قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) (الأعراف: 3).

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

حفظ النفس الإنسانية بين شذوذ الفقهاء ومحكم القرآن

غسان النبهان

10-09-2024

آراء الكتاب

الاختلاف في الوحي ليس من الله

غسان النبهان

20-09-2024

آراء الكتاب

حاكمية الإنسان وحاكمية الله

غسان النبهان

02-09-2024

آراء الكتاب

الفِرقة الناجية مَن تعمل صالحاً

غسان النبهان

14-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

ارسل بواسطة