مراجعات إسلامية!

02-09-2024

مع تخبط ثم فشل مشروع الإسلام السياسي؛ الذي بدا واضحاً في الربيع العربي، الذي حول الربيع العربي إلى شتاء قاسٍ؛ فإننا بحاجة إلى مراجعات إسلامية لكيفية فهمنا للدين، وكيفية ممارسة التدين، وحتى كيفية الدعوة إليه.

وأُولى تلك المراجعات تتمثل بنزع الأحلام المستحيلة من عقول دعاة الإسلام السياسي! التي يدغدغون بها أحلام التدين الشعبوي، فلا الحاكمية الإلهية صحيحة كما يطرحونها، ولا الخلافة أصل من أصول الدين، إنما هي شكل من أشكال الدولة، تجاوزه عصر الحداثة وتطور شكل الدولة.

ثم؛ إن ما طرحته السلفية الجهادية من خلال نظرية تقسيم العالم إلى فسطاطين؛ فسطاط مؤمن مجاهد، وآخر كافر تجب محاربته ومعاداته، تلكم نظرية ما قالها القرآن الكريم، ولا دعا إليها رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام؛ إنما هي تأويلات إلغائية لنصوص في السنة النبوية، ثبت عدم صحة كثير منها، أو نسَخَها فعلُ النبوة، وعلى رأسها ما أسس لثقافة الذبح المتمثلة بحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. المخالف لعموم النص القرآني. ويضاف إلى ما سبق حديث (جئناكم بالذبح) فهو حديث فيه علة في سنده؛ لا أعلم لِمَ صححه بعض علماء الحديث المعاصرين!

وهذه الأحاديث حتى لو صحت، فإن النبي نسخها بفعله لما دخل مكة فاتحاً؛ مؤسساً ثقافة العفو والتسامح عند المنتصر؛ وناسخاً حديث الذبح (إنْ صحّ) حين قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. لم ينتقم من أحد، ولا أجبر كبار قريش وأعداء الأمس على الإسلام. وبالتالي لا بد لثقافة وسلوك التطرف والإرهاب عند كل الفرقاء الإسلاميين أن تتوقف؛ ويراجع الإسلاميون أنفسهم.

ولنعلم بأنّ مقابلة ثقافة الذبح ومحاربتها بالعنف لن تقضي عليها؛ فالعنف لا يولد إلا عنفاً، إنما يحتاج القضاء عليها إلى فكر واعٍ وعقل إنساني منفتح على الآخرين، وإصلاح حقيقي لمنظومة التفكير الديني؛ يخلِّص الإسلام من عبء تراث فقهي، كُتب بعقلية إمبراطورية إلغائية للآخر، الإسلام بريء منها؛ حتى يعود التفكير الإسلامي إلى إنسانيته التي اغتصبها منذ زمن غير بعيد فقهاء الجهاد وأئمة التكفير؛ الذين احتكروا حق المعرفة الدينية؛ وأسسوا لثقافة الذبح في كتبهم وحواشيهم وشروحهم، فأسسوا لاستبداد ديني.

آن الأوان لنعود إلى إسلام القرآن بعيداً عن آية السيف الموهومة، وندع إسلام الحديث؛ من خلال مراجعات حقيقية، تقول للآخر: إن الدين جاء لخدمة الإنسان وليس العكس، وإن الأرض يرثها عباد الله الصالحون، وليس القتلة، ولا عشاق الدماء؛ إنما كل مَنْ يقدم خيراً للبشرية بغض النظر عن دينه أو لونه أو قوميته.

إن من يبحث عن السلطة بغطاء تدينه، ويعتقد أنه يملك باسم الدين الوصاية على مجتمع قاصر -كما يظن- وأنه الوحيد صاحب الحق الإلهي بالسلطة؛ عليه أن يتذكر أن مشروعية أي نظام حكم لا تنبع من الأيديولوجيا التي يحملها، ولا بالشعارات التي يرفعها؛ إنما من خلال شرطين أساسيين أشار لهما القرآن الكريم ويحفظهما المسلمون في كل مكان:

الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ. سورة قريش:4.

فالمجتمع، أي مجتمع، يريد من السلطات التي تديره الإطعامَ من جوع؛ أي حد الكفاية في معايشه، والأمن والأمان من الخوف؛ أي أن يعيش آمناً مطمئناً في بلده، فإن حققت أي سلطة حد الكفاية والأمن والأمان لمجتمعها، باتت في الوجدان المجتمعي تستحق مشروعيتها بالحكم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون على السلطة من خلال برامج تحقق للمجتمع أفضل ما يمكن من خلال هذين الشرطين الأساسيين؛ حينئذ سينطلق المجتمع ليدخل النسق الحضاري العالمي مبدعاً، ومحققاً التنمية، ويكون على سلم الحضارة الإنسانية.

فإن تَحقق الوعي الذي هو معركتنا الأولى، سيعمل العقل المغيب منذ قرون، وتنمو روح الإنسانية فينا؛ عندها سنخرج من الثقافة الخشبية، وسيعلم الذين تطرفوا كم أساؤوا إلى دينهم.

كما ينبغي أن نعي بأن إكراه الآخرين على وجهة نظرنا، نظرية ثبت فشلها وهي مرفوضة قرآنياً، وأن المجتمع الحضاري والإنساني والأخلاقي، يكون متعدد المكونات؛ لا تمييز عرقي أو ديني أو طائفي فيه. أما إذا بقي الإسلامويون متكئين على تراث عفا عليه الزمن؛ فإن النتيجة الحتمية نموذج داعش والولي الفقيه، وصراع طاحن يُطيل عصر الذبح.

إن العقبة الحقيقية التي تمنع دخولنا المعاصَرة هي ثقافية تراثية مبتدعة في الدرجة الأولى، أسستها عقلية فقهية إلغائية للآخر، أدت إلى قصور في الوعي الواقعي، فتولدت عنها أزمة سلوكية، تقدس ثقافة الموت، ولا تقيم وزناً لثقافة الحياة والتعايش الإنساني، فمعركتنا الأولى والأهم؛ هي الوعي أولاً وثانياً وثالثاً.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

آراء الكتاب

كيف نقدم الإسلام اليوم؟

احمد الرمح

19-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

العشاء الأخير

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

فكر عابر للقارات

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

كونشرتو طالبان

رنا زكار

02-09-2024

ارسل بواسطة