هل تعرفون من هي تايلور سويفت؟ فنانة شابة شهيرة تستهوي جيل الشباب في أنحاء العالم، عن نفسي عرفت عنها منذ فترة قريبة، ثم ما لبث أن جاء ذكرها في نشرات الأخبار؛ حيث تقرر إلغاء حفلاتها في النمسا جراء اكتشاف مخطط لهجوم إرهابي يستهدف الحفل.
التحقيقات الأولية تشير إلى أن المخططين المراهقين داعشيو الهوى، أحدهم من أصول عربية، لو نجحوا فيما كانوا مقدمين عليه لقتلوا أعداداً كبيرة من الحاضرين.
يبدو المشهد مكرراً؛ سبق لنا رؤيته في الأفلام مع اختلاف الدوافع، وهو مكرر من جهة الدوافع أيضاً؛ إذ ربما لعبت فيها عوامل عدة، لكن الحامل الإسلامي للأسف يُرجح أنه الأساس المستخدم للتنفيذ.
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا: كيف لداعش هذا التأثير على شباب في مقتبل العمر وهم بعيدون جغرافياً عن مكان تأسسها؟ الجواب واضح؛ فعالم اليوم صغير، كل ما فيه عابر للقارات، ثم إن التأثير ليس لداعش، إنما لاسمها الإسلامي، أو بالأصح لفكرها “الإسلامي”.
سيحتج البعض علناً أو في قرارة نفسه قائلاً: “داعش لا تمثل الإسلام، لا شكلاً ولا مضموناً”، سأقول لك نعم لداعش أهداف سياسية تخريبية، وقد تكون من صنع أجهزة المخابرات لدول عظمى، لكن لا يمكننا نفي كونها تستقطب الشبان الصغار من خلال أطروحات دينية، لم تزل موجودة في أمهات كتبنا وفقهنا وتفاسيرنا، ولتصحيح الأمر علينا سويةً إعادة النظر في الإسلام الذي يتم تقديمه، ابتداءً من تعريفه وأركانه وصولاً إلى تعريف “الكفار” و”الجهاد” وعلاقتنا بالآخر المختلف، ومدى مسؤوليتنا عن إيمانه ودخوله الجنة، أو إن كانت مهمتنا إرساله سريعاً إلى الجنة ضحية لأفكارنا، مروراً بموقف الإسلام من الفنون عموماً والغناء خاصة، عدا عن موقفه من الفنانة المرأة ولباسها، والأهم من هذا كله معنى القتل والقتال، ومعنى الولاء والبراء؛ لنجد أن هنالك حيزاً كبيراً تنوس فيه المفاهيم، بحيث يصبح “الإسلام” داعشياً بسهولة في أي زمان ومكان، ويتحول بالتالي من رسالة رحمة للعالمين إلى رسالة موسومة بالعنف والإرهاب.
من المسؤول عن ذلك؟ هل نُلقي باللائمة على الفقه الموروث والسلف الصالح، أم يقع اللوم على من ورث وغفل عن أن الظروف التي كانت سائدة قبل ألف وقرون من الأعوام ليست هي ذاتها اليوم؟
أليست مسؤوليتنا أن ننقح ديننا مما علق به من شوائب، ومن ثم تقديمه بالصورة النقية التي جاء بها، لنغلق الباب أمام المتآمرين سواء عليه أو باسمه؟
بنظرة سريعة على التنزيل الحكيم تجد أن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر مع العمل الصالح {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} (فصلت: 33)، وكونه الدين الوحيد الذي يقبله الله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه} (آل عمران: 85) لا يعني أنك ستحدد من المقبول ومن غير المقبول، عدا عن أنه لن يضيرك شيئاً أن تُقبل فيه أنت وغيرك معاً.
من جهة أخرى قتل النفس حرام، محرم مرتين {قل تعالَوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم —* ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} (الأنعام: 151) والقتل بالحق يقتصر على جزاء القتل العمد وهو الحد الأعلى للعقاب؛ حيث يمكن لصاحب الحق العفو، وبالتالي سيتحرك العقاب بين الحدين.
أما القتال فله شروطه، وفق وجود معاهدات وعدمها، وبكل الأحوال لا يبادر المسلمون بالاعتداء، وللحرب ظروفها، إنما قتل المدنيين لا مبرر له في ديننا، حتى لو كان عدونا مستفحلاً في الإجرام وعلى مرأى من العالم أجمع، فأنت لن تنتقم من الأبرياء.
والجهاد أشكال، ليس من بينها قتل أناس في ملعب، ولا مطربة ذات شهرة، حتى لو لم يعجبك شكلها أو ألحان أغانيها أو كلماتها.
ثم إنك قد تعيش في بلد وتحمل جنسيته وتمنحه ولاءك الوطني، دونما أن يؤثر ذلك على علاقتك بالله وبدينك وقيمك الأخلاقية وشعائرك الخاصة، لكنك قد تكون بريئاً مما يعتقد جارك، وهذا لا يمنع معاملته بالحسنى ومبادلته القيم الإنسانية.
وإن كنت ترى الغناء حراماً، علماً بأنه لا يوجد في المصحف ما ينص على ذلك، فلا يعني أن تقتل المغنين والمستمعين، وكل ما عليك ألا تغني ولا تسمع، والله جل جلاله يحاسب الناس وفق مشيئته، فأنت لن تمنع منكراً بل ستكرس صورة مسيئة عن الإسلام، سيستثمرها المتربصون لتبرير أشكال من العنصرية ضد المسلمين.
في هذه العجالة لا يمكننا تفنيد كل المفاهيم المغلوطة التي يمكن أن تشكل أساساً للعنف، إنما فقط علينا الإقرار بضرورة إعادة النظر بما رسخ في أذهاننا عن الإسلام، لندافع عنه بالصورة التي تليق به.