حُكْمُ الزَّوَاجِ مِنَ الْبَنَاتِ (الْقَاصِرَاتِ)

02-09-2024

يَتَنَاوَلُ هَذَا الْمَوْضُوعُ حُكْمَ الزَّوَاجِ مِنَ الْبَنَاتِ الصَّغِيرَاتِ دُونَ سِنِّ الرُّشْدِ، مَعَ مُعَالَجَةِ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ مَفْهُومَ “الْيَتَامَى”. سَنُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَى، وَنُبَيِّنُ الشُّرُوطَ وَالضَّوَابِطَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالزَّوَاجِ وَالْعِدَّةِ فِي النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ.

مَفْهُومُ الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَى
يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مُصْطَلَحَي الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَى؛ الْمَرْأَةُ تَتَعَلَّقُ بِمَقَامٍ اجْتِمَاعِيٍّ وَتَشِيرُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ نَوْعِ الْأُنْثَى الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ النُّضْجِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَالنَّفْسِيِّ، بَيْنَمَا الْأُنْثَى تَتَعَلَّقُ بِمَقَامٍ بِيُولُوجِيٍّ تَشْمَلُ كَافَّةَ الْإِنَاثِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الْعُمْرِ أَوِ النُّضْجِ. هَذَا التَّفْرِيقُ أَسَاسِيٌّ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. فَكُلُّ امْرَأَةٍ هِيَ أُنْثَى بِالضَّرُورَةِ، وَالْعَكْسُ غَيْرُ صَوَابٍ، فَالطِّفْلَةُ هِيَ أُنْثَى وَلَيْسَتْ امْرَأَةً.
تَحْلِيلُ النَّصِّ “وَاللَّائي لَمْ يَحِضْنَ”
النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ، يَتَنَاوَلُ أَحْكَامَ الْعِدَّةِ لِلنِّسَاءِ فِي حَالاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمِنْ ضِمْنِهَا النِّسَاءُ اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ: “وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطَّلَاقُ: 4).
النِّسَاءُ وَالْإِنَاثُ
يَتَحَدَّثُ النص عَنِ النِّسَاءِ وَلَيْسَ عَنِ الْبَنَاتِ أَوِ الْفَتَيَاتِ الصَّغِيرَاتِ. وَالنِّسَاءُ فِي هَذَا النَّصِّ هُنَّ منْ بَلَغْنَ سِنَّ النُّضْجِ الْبِيُولُوجِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الْمَحِيضِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ “اللَّائي لَمْ يَحِضْنَ” يَشْمَلُ النِّسَاءَ اللَّاتِي لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا عِلَاقَةَ لَهُ بِالْبَنَاتِ الْقَاصِرَاتِ.

مَفْهُومُ الْيَتَامَى
الْيَتَامَى هُمُ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ تُوُفِّيَ وَالِدُهُمْ وَهُمْ دُونَ سِنِّ الرُّشْدِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. الرُّشْدُ هُنَا يَشِيرُ إِلَى النُّضْجِ بِالْوَعْيِ وَالرُّشْدِ الَّذِي يُمَكِّنُ الْفَرْدَ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ، وَالَّذِي يُقَدَّرُ بِأَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ سِنِّ الْعِشْرِينَ فَمَا فَوْقَ. الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يُشَدِّدُ عَلَى حِمَايَةِ حُقُوقِ الْيَتَامَى وَالْعِنَايَةِ بِهِمْ بِشَكْلٍ كَامِلٍ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى سِنِّ الرُّشْدِ.
حُكْمُ الزَّوَاجِ مِنَ الصَّغِيرَاتِ
وَفْقاً لِمَنْهَجِ الْقُرْآنِ وَمَنْظُومَتِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ، الزَّوَاجُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنَ الْبَنَاتِ الْقَاصِرَاتِ اللَّوَاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ سِنَّ الرُّشْدِ، لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مُؤَهَّلَاتٍ لِتَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ.
الْأَرْكَانُ وَالْوَاجِبَاتُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلزَّوَاجِ:
أَرْكَانُ عَقْدِ النِّكَاحِ:
1. سِنُّ الرُّشْدِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كِلَا الزَّوْجَيْنِ (ذَكَراً وَأُنْثَى) قَدْ بَلَغَا سِنَّ الْعِشْرِينَ كَحَدٍّ أَدْنَى، وَلَا يَكْفِي بُلُوغُ سِنِّ الْعِشْرِينَ زَمَنِياً بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْعَقْلِ وَالْوَعْيِ.
2. الرِّضَا الْمُتَبَادَلُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ رِضَا مُتَبَادَلٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ خِلَالِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِحُرِّيَّةٍ وَوَعْيٍ.
3. أن لا يَتعلق عقدُ الزواج بمَحارم النِكاح.
وَاجِبَاتُ عَقْدِ النِّكَاحِ:
1. الْمِيثَاقُ: أَخْذُ الْمِيثَاقِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لِحِفْظِ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا وَعَدَمِ خِيَانَةِ أَيِّ طَرَفٍ لِلْآخَرِ. {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} النِّسَاءُ: 21.
2. التَّوْثِيقُ الِاجْتِمَاعِيُّ: يَجِبُ تَوْثِيقُ الْعَقْدِ كَحَدٍّ أَدْنَى بِوُجُودِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ تَوْثِيقِ مُؤَسَّسَةِ الْقَانُونِ.
3. الْمُبَارَكَةُ الْأُسَرِيَّةُ: يَجِبُ أَنْ تَحْظَى الْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ بِمُبَارَكَةٍ أُسَرِيَّةٍ مِنْ كِلَا الطَّرَفَيْنِ لِضَمَانِ الدَّعْمِ الِاجْتِمَاعِيِّ.

الْخُلاَصَة
بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْمَنْهَجِيَّةِ، يَتَّضِحُ أَنَّ الزَّوَاجَ مِنَ الصَّغِيرَاتِ اللَّوَاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ سِنَّ الرُّشْدِ غَيْرُ جَائِزٍ، وهو مُخالف للقرآن، ودَخل إلى الفقه من خارج القرآن ولذلك لا قيمة له ولا يُعتَدُّ به.
وأَرْكَانُ صِحَّةِ عَقْدِ الزَّوَاجِ تَتَطَلَّبُ بُلُوغَ سِنِّ الرُّشْدِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالرِّضَا الْمُتَبَادَلَ.
وَوَاجِبَاتُ عَقْدِ الزَّوَاجِ تَقْتَضِي الْمِيثَاقَ وَهُوَ مَوْقِفٌ قِيَمِيٌّ أَخْلَاقِيٌّ، والتَّوْثِيقَ الِاجْتِمَاعِيَّ، وَالْمُبَارَكَةَ الْأُسَرِيَّةَ. هَذِهِ الْأُمُورُ تَهْدِفُ إِلَى حِمَايَةِ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً، وَحِمَايَةِ الْبَنَاتِ، وَضَمَانِ عَدَمِ اسْتِغْلَالِهِنَّ فِي أَيِّ عَلاقَةٍ غَيْرِ مُنَاسِبَةٍ أَوْ غَيْرِ مُتَكَافِئَةٍ.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

العشاء الأخير

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم إسلاموفوبيا

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

كلمات ومفاهيم تم دسها تحت ظلال القرآن

سامر إسلامبولي

10-09-2024

آراء الكتاب

الهُوية الثقافية والمواطنة في مجتمع متعدد الهُويات الثقافية والأعراق

سامر إسلامبولي

17-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

ارسل بواسطة