الاستِدامةُ البيئيَّةُ مِن مَنظورٍ قرآنيٍّ.

12-09-2024

في ظِلِّ التَّحدياتِ البيئيَّةِ الَّتي يُواجهُها العالمُ اليومَ، تبرُزُ أهمِّيَّةُ الاستِدامةِ البيئيَّةِ كضَرورةٍ حَتميَّةٍ لضَمانِ مُستقبلِ الأجيالِ القادِمةِ. مِن هذا المُنطلَقِ، يُمكِنُ أن نَستَخرِجَ مِن القرآنِ مَفهومًا مُبَكرًا لِلإستِدامةِ البيئيَّةِ، يَعتَمِدُ على آياتٍ تَدعو إلى التَّوازُنِ والاعتِدالِ في التَّعامُلِ مع المَواردِ الطَّبيعيَّةِ والحِفاظِ على البيئةِ. يَهدِفُ هذا المَقالُ إلى استِعراضِ التَّحذيراتِ القُرآنيَّةِ مِن الفَسادِ والتَّخريبِ في البيئةِ، وكذلك تَقديمِ مَقترَحاتٍ لِلحِفاظِ على البيئةِ مِن خِلالِ المَنظورِ القُرآنيِّ.

التَّحذيراتُ القُرآنيَّةُ مِن الفَسادِ في البيئةِ.

1. الفَسادُ في البَرِّ والبحرِ.

2. (ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحرِ بما كَسَبَت أَيدي النَّاسِ لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ) سورةُ الرُّومِ (41) ، تُوضِّحُ هذهِ الآيةُ أنَّ الفَسادَ الَّذي يَظهَرُ في البيئةِ هو نَتيجَةٌ لأفعالِ الإنسانِ. يُشيرُ هذا النَّصُّ إلى عَلاقةٍ سَبَبيَّةٍ مُباشِرةٍ بَين تَصَرُّفاتِ الإنسانِ والفَسادِ البيئيِّ، مِمَّا يُؤَكِّدُ على مَسؤوليَّةِ البَشرِ في الحِفاظِ على البيئةِ. الفَسادُ هُنا يَشمَلُ كافَّةَ أشكالِ التَّلوُّثِ والتَّدميرِ الَّذي يُؤثِّرُ سَلبًا على النِّظامِ البيئيِّ.

3. الإِسرافُ في استِهلاكِ المَواردِ.

 (يا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وكُلُوا واشرَبُوا ولا تُسرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ) سورةُ الأَعرافِ (31) ، تَحُثُّ هذهِ الآيةُ على عَدمِ الإِسرافِ في المَواردِ، وهو مَبدَأٌ رئيسٌ في الاستِدامةِ البيئيَّةِ. الإِسرافُ في استِهلاكِ المَواردِ يُؤدِّي إلى استِنزافِها بشَكلٍ غَيرِ مُستَدامٍ، مِمَّا يَضُرُّ بالبيئةِ ويُعوقُ تَحقيقَ التَّوازُنِ البيئيِّ. يُحَذِّرُ القرآنُ مِن هذا السُّلوكِ ويَحُثُّ على الاعتِدالِ في الاستِهلاكِ كَوَسيلَةٍ لِلحِفاظِ على المَواردِ.

4. تَدميرُ الزِّراعةِ والنَّسلِ

 (وإذا تَوَلَّى سَعَى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها ويُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ) سورةُ البَقَرةِ (205)، تُنَدِّدُ هذهِ الآيةُ بمَن يُفسِدُ في الأَرضِ ويُهلِكُ الزِّراعةَ والنَّسلَ، مِمَّا يُشيرُ إلى أهمِّيَّةِ الحِفاظِ على المَواردِ الطَّبيعيَّةِ وعَدمِ تَدميرِها. الفَسادُ هُنا يَشمَلُ تَدميرَ التُّربةِ، وتَلوُّثَ المِياهِ، وتَدَهْوُرَ الغِطاءِ النَّباتيِّ، وكُلَّ ما يُؤدِّي إلى تَعطيلِ دورةِ الحَياةِ الطَّبيعيَّةِ.

مَقترَحاتٌ قُرآنيَّةٌ لِلحِفاظِ على البيئةِ.

1. تَحقيقُ التَّوازُنِ والاعتِدالِ، القرآنُ يُوصي بِتَحقيقِ التَّوازُنِ والاعتِدالِ في كافَّةِ جَوانِبِ الحَياةِ، بما في ذلك استِهلاكُ المَواردِ الطَّبيعيَّةِ. هذا المَبدَأُ يَشمَلُ استِخدامَ المَواردِ بشَكلٍ حَكيمٍ ومُستَدامٍ، بما يَضمَنُ عَدمَ استِنزافِها وتَدَهْوُرِها.

2. تَجَنُّبُ الفَسادِ والإِصلاحِ في الأَرضِ، يَحُثُّ القرآنُ على تَجَنُّبِ الفَسادِ والإِصلاحِ في الأَرضِ، وذلك مِن خِلالِ الالْتِزامِ بالتَّوجيهاتِ الإِلهيَّةِ الَّتي تَدعو إلى الحِفاظِ على البيئةِ. يَجِبُ على الإنسانِ أن يَكونَ وَكيلًا مَسؤُولًا على الأَرضِ، يَسعى لِلحِفاظِ على جَمالِها واستِدامَتِها، ويُوَرِّثُها لِمَن خَلفَهُ نَظيفةً.

3. الحِفاظُ على التَّنوُّعِ البِيولوجيِّ، القرآنُ يُشيرُ إلى أهمِّيَّةِ الحِفاظِ على التَّنوُّعِ البِيولوجيِّ كَجُزءٍ مِن النِّظامِ البيئيِّ المُتَوازِنِ. المُحافَظةُ على الحَياةِ البَرِّيَّةِ والبَحريَّةِ، وعَدمُ التَّسبُّبِ في انقِراضِ الأَنواعِ هو جُزءٌ مِن هذهِ المَسؤُوليَّةِ.

4. التَّوعيةُ والتَّعليمُ، نَشرُ الوعيِ بِأهمِّيَّةِ الحِفاظِ على البيئةِ والتَّعليمِ حَولَ المُمارَساتِ البيئيَّةِ المُستَدامَةِ مِن المَبادِئِ الَّتي يُمكِنُ استِنباطُها مِن القرآنِ. يَجِبُ على المُجتَمَعاتِ الإسلاميَّةِ تَبَنِّي هذهِ المَبادِئِ والعَملِ على غَرسِها في الأَجيالِ النَّاشِئةِ.

الخاتمة. 

مِن خِلالِ الآياتِ القُرآنيَّةِ، يُمكِنُنا استِنتاجُ مَفهومٍ مُتَكامِلٍ لِلإستِدامةِ البيئيَّةِ، يُشيرُ بوضوحٍ إلى ضَرورةِ الحِفاظِ على البيئةِ، وتَجَنُّبِ الفَسادِ فيها، ويَحُثُّ على عَدمِ الإِسرافِ في استِهلاكِ المَواردِ الطَّبيعيَّةِ. يُمكِنُ لِهذهِ الفِكرةِ أن تُشَكِّلَ أَساسًا لِدِراساتٍ جَديدةٍ تُركِّزُ على كَيفيَّةِ تَطبيقِ مَبادِئِ الاستِدامةِ البيئيَّةِ، المُستَمدَّةِ مِن النَّصِّ القُرآنيِّ في الحَياةِ اليَوميَّةِ والمُمارَساتِ الحَديثةِ. هذهِ الفِكرةُ لَم تَحظَ بالكَثيرِ مِن التَّركيزِ في التَّفاسيرِ التَّقليديَّةِ، وقد تَكونُ مُفيدَةً لِبَدءِ دِراساتٍ جَديدةٍ تَربِطُ بَينَ القِيَمِ القُرآنيَّةِ وحِمايةِ البيئةِ.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

العشاء الأخير

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم إسلاموفوبيا

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

كلمات ومفاهيم تم دسها تحت ظلال القرآن

سامر إسلامبولي

10-09-2024

آراء الكتاب

الهُوية الثقافية والمواطنة في مجتمع متعدد الهُويات الثقافية والأعراق

سامر إسلامبولي

17-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

ارسل بواسطة