تُعتبر مسألة تحديد مصدر الدين الإسلامي من أهم القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على فهم وتشريع الأحكام والمفاهيم الدينية. يؤكد القرآن الكريم بوضوح أنه هو المصدر الوحيد للتشريع في الإسلام، وأنه "تبيان لكل شيء" (سورة النحل: 89). ومع ذلك، تم إدخال العديد من المفاهيم والأحكام على الفقه الإسلامي التي لا أصل لها في النص القرآني، وتحتاج إلى مراجعة وتدقيق. في هذا المقال، سنتناول بعض الموضوعات والأحكام المدسوسة في الفقه الإسلامي، مثل: السبي، والرق، والسيف، ونزول المسيح، وظهور المهدي، وعصمة الأئمة، ورجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، وقتل المرتد، والختان، ورضاع الكبير، والزواج من الأطفال، وذلك باستخدام المنهج القرآني واللساني.
القرآن هو المصدر الوحيد للدين
إن القرآن الكريم، بصفته "الذكر" و"الكتاب" المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو المصدر الوحيد للتشريع في الدين الإسلامي. قال تعالى في محكم التنزيل:
"إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ" (سورة يوسف: 104).
"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ" (سورة النحل: 89).
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} النحل: 116.
{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} يونس: 59.
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً... وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الأنعام: 151.
هذه الآيات تؤكد أن القرآن وحده هو المصدر النهائي لكل مسائل الدين، ولا حاجة إلى مصادر أخرى من إنتاج البشر تُضاف إليه.
المفاهيم المدسوسة في القرآن
السبي والرق والسيف
من أبرز المفاهيم التي دست تحت ظلال القرآن، ولم تُذكر في القرآن؛ مفاهيم السبي والرِّق والسيف. إذا نظرنا إلى النص القرآني، لا نجد هذه الكلمات مستخدمة فيه أصلاً ولا أي إشارة تشرع استعباد البشر أو استخدام السيف والقوة لفرض الدين. على العكس، يدعو القرآن إلى الحرية والعدالة والرحمة. يقول الله تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (سورة البقرة: 256)، مما ينفي أي مفهوم يبرر إجبار الناس على اعتناق الإسلام أو استعباده، وإنما يوجد أسرى للمحاربين فقط، ويتم معاملتهم إنسانياً وفق العرف الدولي في الحروب، ويوجد ملك اليمين وهو مفهوم يتعلق بتابعية فئة من الناس ذكوراً أو إناثاً لغيرهم معيشياً واقتصادياً؛ مثل الخدم والعمال والموظفين، وهي ملكية جهد وحق انتفاع وفق عقد بينهم، وليست ملكية جسم وحق التصرف بهم بيعاً.
نزول المسيح وظهور المهدي
من المفاهيم المدسوسة الأخرى التي انتشرت بين المسلمين ما يتعلق بنزول المسيح وظهور المهدي. هذه المفاهيم لا نجد لها أي ذكر في القرآن. لو كانت جزءاً من الإيمان، لتم ذكرها بوضوح في الكتاب الذي يُفترض أنه "تبيان لكل شيء". لذلك يجب أن نتمسك بالنص القرآني وحده ولا نتبنى أي روايات أو أفكار لم ترد فيه.
عصمة الأئمة
كذلك، نجد أن فكرة عصمة الأئمة، والتي انتشرت بشكل خاص بين بعض الطوائف، لا أصل لها في القرآن. العصمة مفهوم قرآني مرتبط بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في إطار محدد وهو تبليغ الوحي (مقام الرسول). أما فكرة وجود أشخاص آخرين معصومين فهي فكرة دخيلة على النص القرآني ولا تتوافق مع الطبيعة الإنسانية ولا مع مبدأ الشورى والعدالة الذي يدعو إليه القرآن.
الخاتمة
إن التمسك بالقرآن كمصدر وحيد للدين الإسلامي يضمن الحفاظ على نقاء الإيمان والأفكار وتجنب المفاهيم والأحكام الدخيلة التي شوهت الفقه الإسلامي على مر العصور. يجب العودة إلى النص القرآني وتحليل كل مفهوم وحكم من خلاله، باستخدام المنهج اللساني والمنطقي والمقاصدي الذي يعتمد على المفهوم اللساني الحقيقي للمفردات والأحكام؛ كون القرآن نزل بلسان عربي مبين. هذا النهج يضمن أن يظل الدين الإسلامي متماسكاً وعادلاً ومتوافقاً مع القيم الإنسانية التي دعا إليها القرآن.