القرآن الكريم هو أول منهج يرفض مبدأ السلة الواحدة في الحكم على الآخرين، ويرفض بشكل قاطع الحكم على أهل ملة أو جماعة أو مجتمع كما لو كانوا كتلة واحدة، ويرفض (عقلية الشنآن) أي الكاره والمبغض للآخرين؛ لأنها ستؤدي إلى وضع المختلفين معه كلهم في سلة واحدة؛ وهذا خُلُقٌ يرفضه القرآن؛ ولذلك أصَّلَ تلك القاعدة الأخلاقية الإنسانية القرآن بحديثه عن أهل الكتاب بقوله:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير. فاطر:32.
إذن؛ كل جماعة أياً كانت يجب أن نتعامل معها من خلال هذا الميزان القرآني؛ حيث نشير إلى السابق في عمل الخير والصلاح فلا نبخسه حقه، ولا نستثير ونستعدي من لا يناصبنا العداء، ونحصر خلافنا مع الظالم منهم فقط، وبذلك سنكسب الكثير من الأنصار؛ ومن أبرز ما يجب أن ننتبه إليه في هذا الجانب الغرب، فليس من الحكمة أن نضع الغرب بكل ما فيه من علم وبشر ومدنية وحضارة وخصوم في سلة واحدة؛ لأن الله ﷻ يرفض تلك العقلية، وهو الذي قال في حديثه عن أتباع عيسى عليه السلام:
لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. آل عمران: 114.
وقال في حديثه عن أتباع موسى عليه السلام:
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الأعراف: 168.
بالتالي ومن خلال هذا المنظار القرآني يجب علينا عدم وضع الغرب بسلة واحدة؛ لأن ذلك ليس في صالحنا لو نظرنا إليه من خلال السياسة الشرعية، وما يقره القرآن الكريم؛ وبالتالي من الواجب أنْ ننظر إلى الغرب من ثلاث زوايا:
– الأولى الإنسان الغربي: وهذا ليس بيننا وبينه أي صراع ولا عداوة؛ بل نتمنى له الهداية والخير والسلام، وهذا ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به؛ إذ يقول جل جلاله:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. الممتحنة:8.
فهو وإن خالفنا في الاعتقاد فقد بقي لنا أخاً في الإنسانية، كما قال علي بن أبي طالب في وصيته لابن الأشتر: الناس نوعان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. ولا يمكن لا عقلاً ولا نقلاً أن نضع علماء الغرب في الفيزياء والاجتماع والصحة والتكنولوجيا بسلة واحدة مع القتلة والمجرمين منهم.
– الثانية العِلم الغربي: نحن بحاجة ماسة لعلوم الغرب الطبية والتكنولوجية وغيرها، ويحق لنا أن نأخذ من هذا العلم كل ما من شأنه أن يدفع بأمتنا إلى الأمام عملاً بقول الرسول الكريم ﷺ: الحكمة ضالة المؤمن أنـَّى وجدها فهو أحق بها.
– الثالثة المشروع الغربي ضدنا: وهذا الذي نحن نختلف فيه مع الغرب، فمنهم من يريد الاستيلاء على منطقتنا، و(استحمار) شعوبنا، والسطو على خيرات بلادنا، ومسخ هويتنا، وهدم أصالتنا، وتخريب معتقدنا، ومحاربتنا في ديننا. هذا نختلف معه.
إن ثقافة السلة الواحدة أضرت بالدين كثيراً، واستعدت عليه فرقاً وجماعات ودولاً؛ كان الأولى إن لم نستطع جعلهم في صفنا؛ فعلى الأقل نجعلهم محايدين لنا؛ محايدين في قضايانا المصيرية، لا أن ندفعهم ليقفوا ضدنا، ولو درسنا سيرة رسولنا الكريم والسبب في إرسال النبي ﷺ بعض أصحابه إلى ملك الحبشة لتبين لنا أن رسول الله يرفض ثقافة السلة، وهو مَنْ دعانا إلى رفضها.
من خلال كل ما تقدم يتبين لنا أنه لا يمكن أن نستعيد الأخلاق القرآنية وثقافتها وسلوكها إلا إذا التزمنا بالأخلاقيات القرآنية؛ فهي قبل أن تكون أخلاقاً دينية، فإنها أخلاق إنسانية وعالمية وعادلة مع الجميع. ولذا يجب الحذر كل الحذر من الوقوع في فخ السلة الواحدة، ونحن نتعامل مع الآخرين؛ فلا نضع الآخرين كلهم في سلة واحدة، فإنْ فعلنا فنحن قد خالفنا الوصايا القرآنية التي أُمرنا بها.