وسائل جديدة في تربية الأطفال إسلامياً
أنزل الله عَز وجَل القرآن الكريم، وفيه من الإرشادات الروحية والقواعد والأوامر والنواهي ما يجعل الإنسان المسلم يحسن تدبّر أمر أسرته وأبنائه، في التأسيس الرشيد والتربية الحسنة، باللطف واللين والحكمة المطلوبة؛ بما يُعلي القيمة الروحية للإنسان منذ طفولته، ويرشده سواء السبيل في حياته المستقبلية، كما وَرَد في قوله سبحانه وتعالى، في سورة الأعراف: ﴿وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ﴾ [الأعراف: 58].
مسؤولية الأبناء
يوضح الله للناس حجم المسؤولية التي هُم بصددها في تربية أبنائهم، في قوله تعالى في سورة الطور: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ﴾ [الطور: 21]. ويقول سبحانه في سورة التحريم: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
القيَم الأساسية
أمر الله المؤمنين، في كتابه الكريم، بقيَم أساسية كبرى، فأمرهم بنصح أبنائهم وإرشادهم إلى توحيد الله عز وجل، وعدم الشرك به، والعدل، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والمساواة بين الناس، والصبر، والتواضع، وعدم التفاخر، وأن الله تعالى يرى ويعلم كل شيء؛ فيقول تبارك وتعالى، في سورة لقمان: ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾ [لقمان: 13].
ويقول عزَّ من قائل، في سورة لقمان: ﴿يا بُنَيِّ إنَّها إنْ تَكُ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أوْ في السَّماواتِ أوْ في الأرْضِ يَأْتِ بِها اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 16]. ويقول الله عَز وجَل، في نفس السورة: ﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٭ وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحاًۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ﴾ [لقمان: 17-18]. ويقول سبحانه وتعالى: ﴿مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ﴾ [لقمان: 28].
أسلوب التربية
ينبع أسلوب التربية من عددٍ من القواعد، من أهمها:
أولاً، اللطف وحسن المعاملة: حَث الله المؤمنين، في أكثر من آية من آيات التنزيل الحكيم، على الرحمة والحكمة والموعظة الحسنة، وعلى حسن المعاملة في النصح والإرشاد، فلا يكون العنف والترهيب هما وسيلتا المرَبي في تربية أبنائه وبناته؛ فيقول الله تعالى في كتابه الكريم، في سورة النحل: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾ [النحل: 125].
ودعا الله نبيَّه موسى عليه السلام إلى استخدام أسلوب ليّن، مع مَن؟ مع فرعون، الذي ادعى أنه “الرب الأعلى”، في دعوته إياه، في قوله سبحانه في سورة طه: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾ [طه: 44]. ويخاطب الله تعالى النبي الأكرم في كتابه العزيز، في سورة آل عمران: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ﴾ [آل عمران: 159].
ثانياً، التأكيد على الصبر والهدوء: يؤكد الإرشاد القرآني في التربية على شيمتي الصبر والهدوء في كل الأمور، وكذلك في التعامل مع الأبناء، دون تعسّف أو غضب، ودون رفع الصوت في الكلام.
ويتبدى هذا في أكثر من موضع، من آيات الذكر الحكيم؛ فيقول الله سبحانه في كتابه العزيز، في سورة طه: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ﴾ [طه: 132]. ويقول تعالى في سورة لقمان: ﴿وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].
ثالثاً، التَذْكِرَة بالنصح والإرشاد: أمَر الله تعالى نبيه الأكرم بالتَذكِرَة للمؤمنين في المواقف التي تستدعي التذكير، بالإرشاد والنصح، فيقول في سورة الذاريات: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].
رابعاً، المساواة بين الذكر والأنثى: ورَدَ من الآيات في القرآن الكريم ما يؤكد المساواة بين الذكر والأنثى، والنهي عن كراهية الإناث، ما يبيّن للإنسان أحقيتهما المتساوية في التربية والاهتمام والعناية والتقدير، وما يمنع الغيرة بين الأطفال بسبب الظلم؛ فالأنثى هبة ونعمة كالذكر دون تفرقة بينهما. يتأكد هذا عبر قوله سبحانه في كتابه العزيز، في سورة الشورى: ﴿لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ﴾ [الشورى: 49].
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النحل: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٭ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾ [النحل: 58-59].
طرائق قرآنية
ورد في التنزيل الحكيم عددٌ من الطرائق الدالة على الأسلوب الأمثل في تربية الأبناء، أهمها:
أولاً، استخدام القصة للتوجيه: اعتمد القرآن الكريم، ضمن أساليبه، أسلوب استخدام القصص من أجل التشويق والتسريَة، حتى يصل المراد منها، من عبرة ومثال وحكمة وتوجيه أخلاقي، في قصص الأنبياء والحوادث القديمة والحوادث في زمن النبي الأكرم؛ وقد ورَدت فائدة الحكي القصصي في أدبيات التربية الحديثة في العصر الحالي.
يقول الله سبحانه في كتابه العزيز، في سورة يوسف: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ﴾ [يوسف: 3]. ويقول تعالى في سورة الكهف: ﴿نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى﴾ [الكهف: 13]. ويقول عزَّ من قائل، في سورة يوسف: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [يوسف: 111].
ثانياً، أهمية الرياضة في التربية: أصبح استخدام الرياضة في تربية الأطفال وتقويمهم، من الأساليب الأساسية في التربية الحديثة؛ فيقول الدكتور محمد ناجي شاكر أبو غنيم، أستاذ الفلسفة وتاريخ التربية الرياضية بجامعة الكوفة، في بحث “التربية الرياضية والبدنية في الإسلام”، إن “التربية البدنية قد مثّلت عنصراً مهماً في نمو الفرد وتطوره في الإسلام، والتنافس الرياضي كان موجوداً منذ العصر الإسلامي الأول”، مستشهداً بآيات قرآنية؛ إذ يقول الله تعالى، في سورة البقرة: ﴿قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ﴾ [البقرة: 247]؛ ويقول الله سبحانه، في سورة القصص: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].
وفي الآيات القرآنية اقتران بين القوة الجسدية (صفة مادية)، والعلم والأمانة (معنوية)، ما يدل على الحث القرآني لربط الاهتمام بتنمية هذا الجسد، بتنمية خصال سلوكية حميدة مطلوب غرسها في النفس البشرية.
ثالثاً، التكليف بالممكن والمستطاع: لم تعد تربية الأطفال مجرد تكاليف ومهام ثقال على الأطفال في صغرهم، فقد حثت أدبيات التربية الحديثة على التخفيف على الأطفال في التكاليف؛ فالتكليف بالمستطاع يؤدي إلى حدوث التوازن بين نوعية التكليف وقدرة المُكلَّف على أداء الفعل.
يقول الله عزَّ وجل، في سورة البقرة: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡساً إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ﴾ [البقرة: 286].
وختاماً، فإن الله أمر المسلمين بالتربية الحسنة لأبنائهم وبناتهم، والمساواة بينهم، واستخدام الرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة، والأسلوب الراقي في التربية؛ ووَرد في آيات الذكر الحكيم ما يُرشد الإنسان المسلم إلى الأساليب المتقدمة في تربية وإرشاد الأطفال، والقيم الروحية والإنسانية الكبرى في هذه التربية، كالعدل والمساواة بين الناس، والتواضع، وعدم التفاخر؛ ما يبيّن المسؤولية التي كلّف الله بها الإنسان في تربية أطفاله وتأسيسهم على قيمٍ وسلوكيات يصلح بها حال المجتمع، في كل زمان ومكان.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.