حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد
ظهرت الاختلافات العقائدية بين الفرق الإسلامية منذ العصور الأولى للإسلام بعد وفاة النبي، في خلافهم حول أحقية الخلافة بين المتشيعين لعلي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة، وبين القائلين بالشورى وأحقية الخلفاء بعد النبي؛ وتفرعت الفرق الإسلامية بعد انتهاء عصر الخلفاء الأوائل، وفي عصر الدولتين الأموية والعباسية، على اختلاف فروقاتها العقائدية ونزاعاتها الدينية والسياسية.
معتقد الشيعة
الشيعة، لغةً، هم الأتباع والأعوان، أُخذت من الشياع والمشايعة بمعنى المتابعة والمطاوعة، وهم ثاني أكبر فرقة إسلامية في العصر الحالي؛ عُرفوا تاريخياً بشيعة عليّ، أو أتباع عليّ، ويقولون بأحقية علي بن أبي طالب في الخلافة، وتعرضه للظلم والاستبعاد من الخلفاء ومَن تبعهم، وأولهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ومَن والاهم دون علي بن أبي طالب في أحقية الإمامة والخلافة.
ويعتقد الشيعة، في عمومهم، في إمامة علي بن أبي طالب وأبنائه من زوجته السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي الأكرم، كما يعتقدون في معصوميتهم، وأنهم المرجع الأساسي للإسلام بعد وفاة النبي، ولا مرجع غيرهم في كل مناحي الدين الإسلامي، حسب مروياتهم من الأحاديث والروايات عن النبي، التي يعتقدون فيها ويستندون إليها في إثبات أحقية علي بن أبي طالب وأبنائه في الخلافة الشرعية وإمامة المسلمين.
ويقول الشيعة إن الفرق الإسلامية الأخرى هي المستحدثة من أجل الابتعاد عن الإسلام الذي دعا إليه النبي.
مرويات الاستناد
أولاً، حديث المنزِلَة: وهو مرويّ عن النبي في يوم "بدر" ويوم فتح "خيبر"، ويستند إليه الشيعة في تأكيد أحقية عليّ بن أبي طالب في الخلافة بعد رسول الله، ونصه: "أنت مِنِّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي". وبموجب تلك المروية، فإن عليّ بن أبي طالب له جميع المراتب التي كانت لهارون في بني إسرائيل، ومنها الخلافة، ما عدا مرتبة النبوة.
ثانياً، حديث الغدير: من أشهر المرويات التي يحتج بها المنتمون للمذهب الشيعي، لإثبات ولاية علي بن أبي طالب وحقه في الإمامة والخلافة، وأن إتمام الدين لا يصح إلا بالاعتقاد في ولاية وإمامة وخلافة علي بن أبي طالب، ويقولون بحدوثه في طريق العودة إلى المدينة المنورة في الخطبة بعد حجة الوداع، عند منطقة "غدير خُم"، ونصه:
"أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤيَ بياضُ آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس، مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، يقولها ثلاث مرات، ثم قال: اللهم والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه، وأحِبَّ من أحبَّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب".
ثالثاً، حديث "الاثنا عشر خليفة": وهو من المرويات التي يستند إليها الشيعة الاثنا عشرية في إثبات خلافة ومعصومية أبناء علي بن أبي طالب، ونصه: "لا يزال أمر أمتي ظاهراً حتى يمضي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش".
وقد رُويَ عن جابر بن سمرة في صحيحي البخاري ومسلم، وفي كتب المرويات التي يعتمدها الشيعة مصدراً لهم، في رواية أحاديث عن النبي بصيغ مختلفة؛ ويقول الشيعة إن لفظ هذا الحديث يدل على أبناء علي بن أبي طالب الاثني عشر، وأنهم أئمة وخلفاء معصومون دون غيرهم، وأن الإسلام لا يقوم إلا بهم، وأنهم مختارون من الله عز وجل على لسان النبي.
رابعاً، حديث الثقلين: وهو من المرويات الشهيرة عند الشيعة؛ إذ يستندون إليه في إثبات معصومية أهل بيت النبوة، ويقولون بحدوثه ضمن خطبة الوداع في طريق العودة إلى المدينة، ونصه:
"إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما".
ويذهب فقهاء الشيعة إلى أن هذا الحديث يقول بوجوب التمسك بالقرآن، كتاب الله، واتباعه، كما يقولون باتباع أهل بيت النبوة، وأن معصوميتهم حتى يوم القيامة، كما أن القرآن قائم حتى يوم القيامة، وأن النبي لا يمكن أن يأمرنا بالتمسك بمن يمكن معصيته.
خامساً، حديث مدينة العلم: وقد روي عن النبي في كتب المرويات الشيعية والسُّنية على حد سواء، باختلافات في إثبات صحة الحديث أو ضعفه بين الفرقتين، ونصه:
"أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمَن أراد العلم فليأته من بابه".
ويقول فقهاء المذهب الشيعي إن هذا الحديث يدل على أن المدخل الوحيد لعلوم النبي وإرشاداته الدينية والروحية هو عن طريق علي بن أبي طالب، وإن أي طريقة لفهم وتفسير الإسلام لا تصح إلا من خلال علي بن أبي طالب، وذلك في كل علوم الإسلام من تفسير وفقه وأحاديث.
فرق متعددة
تعددت الفرق الشيعية تاريخياً، واختلفت على شخصية الأئمة المعصومين، الذين يعتقدون في أحقيتهم بالإمامة والخلافة من أبناء علي بن أبي طالب:
أولاً، الشيعة الاثنا عشرية: الشيعة الاثنا عشرية، أو الإمامية، هي الطائفة الأكبر بين الطوائف الشيعية، وسُمّيت بهذا الاسم لاعتقادهم بأن النبي قد نَصَّ على اثني عشر إماماً خلفاء من بعده، وقد ورد من الأحاديث المنسوبة إلى النبي عند الشيعة في ذكر الأئمة الاثني عشر، ما يذكر أسماءهم وتسلسلهم، وما يتضمن الوصاية والتشديد على الأمة الإسلامية بوجوب اتباعهم.
ثانياً، الشيعة الإسماعيلية: يشترك الإسماعيلية مع الاثنا عشرية في مفهوم الإمامة، لكنهم يختلفون معهم في مصير الإمامة بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، فيقولون بوجوب الإمامة لابنه الأكبر إسماعيل، وليست لأخيه موسى الكاظم.
ويمثل التيار الإسماعيلي في الفكر الشيعي الجانب العرفاني والصوفي، الذي يركز على طبيعة الله والخلق وجهاد النفس، وفيه يجسد إمامُ الزمان الحقيقةَ المطلقة، ويتفقون مع عموم الشيعة في وحدانية الله ونبوة محمد وتنزيل القرآن وإمامة علي وأبنائه ومعصومية أهل بيت النبوة، وإن كانوا يختلفون في اعتقادهم بأن القرآن يحمل تأويلاً باطناً غير تأويله الظاهر.
ثالثاً، الشيعة الزيدية: وتُنسب إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويظهر في معتقدهم بعض التأثر المذهبي بفقه المعتزلة، مع الميل في الفروع إلى المذهب الحنفي، ولا يؤمن الزيدية بعصمة أحد باستثناء الأنبياء، ويرفضون مبدأ الغيبة والرجعة للمهدي المنتظر وتوارث الإمامة، وشروط الإمام لدى الزيدية أن يكون عالماً في الشؤون الدينية، صالحاً وتقياً، لا يعاني من عيوب جسدية أو عقلية، وهاشمي من سلالة علي وفاطمة بنت النبي.
ختاماً، فإن جذور ذلك الخلاف الشرعي بين الفرق الإسلامية، قد امتدت وتفرعت واستمرت حتى عصرنا الحالي، الذي نشهد فيه خلافات عقدية بين عموم المسلمين في الأصول والفروع، اعتماداً على مرويات المحدثين والإخباريين، دون النظر والاعتبار في كتاب الله عز وجل، المرجع الأول للمسلمين، القرآن الكريم.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.