حسام الألوسي:

المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

مركز حوار الثقافات

15-09-2024

التراث والقضايا الفكرية الإسلامية والعربية، كانت على رأس شواغل المفكر والفيلسوف العراقي حسام محيي الدين الألوسي (1936-2013م)، وذلك عبر منظور عقلاني حداثي لتصحيح القراءة التراثية لأوجه الفكر الإسلامي. وفي قراءته النقدية للتراث والفكر المعاصر، استخدم "الألوسي"، الحاصل على الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية من جامعة كامبريدج البريطانية، وشغل منصب أستاذ، ثم رئيس قسم الفلسفة بجامعة بغداد، منهجاً فلسفياً تكاملياً عبر التاريخية الجدلية، للبحث في التراث باعتباره ظواهر مرتبطة بالزمان والمكان والتاريخ والحالة الاجتماعية، مع النظر في امتدادها الفكري وصلاحيتها، وهو المنهج العقلي الفلسفي الذي كان العمود الفقري لمشروعه الحداثي، وضمّنه في مؤلفاته العديدة، مثل: "حوار بين الفلاسفة والمتكلمين"، و"مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي"، و"الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم"، و"دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي"، و"الفلسفة والإنسان"؛ إضافة إلى رسائله وإسهاماته العلمية والفكرية الأخرى.

المنهج التكاملي

ابتدع "الألوسي" منهجاً معرفياً لدراسة التراث العربي والإسلامي والمجتمعات التاريخية المعاصرة للأحداث التراثية، أطلق عليه "المنهج التكامُلي"، وشرحه في كتابه "دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي"، استخدم فيه "التاريخية الجدلية" لدراسة الظاهرات المعرفية والاجتماعية العربية في التراث.

ووضع "الألوسي" لمنهجه التكاملي سمات، مثل دراسة الظواهر التراثية دراسة متأنية، تشمل جميع جوانب التراث الفكرية والروحية والعملية، وتطوراتها؛ وهو منهج فلسفي شمولي كلي، يبحث في تفاصيل الظواهر وكلياتها، حسب قوله.

وقد استقى "الألوسي" منهجه الفلسفي، في نقد التراث العربي الإسلامي، من المناهج الفكرية السائدة في الفلسفة الغربية، مثل المادية التاريخية والمادية الجدلية، إضافة إلى العلوم الطبيعية ومنهجها البحثي التجريبي؛ كما اشتق منها منهجه التكاملي الشمولي في دراسة التراث، وفق قوله.

القراءة المعرفية

يرى "الألوسي" أنه يجب إعادة النظر إلى التراث العربي الإسلامي باعتبار العلاقات المتبادلة بين الطبقات والفئات الاجتماعية، وحالة كل طبقة أو فئة من طبقات المجتمع، ونضالها المجتمعي والفكري، حتى يمكن معرفة تفاصيل تراثية واقعية وتاريخية، "أصبحت أسباباً للحالة التراثية التي وصلت إلينا"، حسب قوله.

كما قال بوجوب النظر في النصوص التراثية بـ"حيادية وأمانة" وموضوعية، حتى يمكن فهمها فهماً صحيحاً، يتجاوز القراءة النصية إلى "القراءة المعرفية" الكاملة؛ ووفقاً لمنهجه التكاملي يمكن قراءة النص التراثي بالنظر إلى ظروفه المجتمعية والتاريخية والفكرية والأجواء السائدة في المجتمع آنذاك، حسب "الألوسي".

ويدعو الفيلسوف العراقي، في قراءة التراث، إلى أهمية النظر إلى مستوى تطور العلوم الطبيعية والفكرية في التراث، والبحث عن المحاولات الفلسفية في التراث، للربط بين العلوم الطبيعية والفكرية، حتى يمكن النظر في الإنتاج الفلسفي التراثي، مع أهمية مراعاة الظروف المجتمعية والتاريخية السائدة آنذاك. ويركز في نقده التراثي على البحث في الأداء الوظيفي للأحداث التراثية وتاريخيتها واجتماعيتها، حتى يتعامل معها باعتبارها ظواهر لها أسباب، سواء في الظهور أو في التأثير الآني لها أو اللاحق عليها، واستمرارية هذا التأثير التراثي أو انقطاعه.

النص التراثي

النص التراثي عند "الألوسي" وليد الزمان والمكان، ويجب أن يُقرأ وفق معطيات، منها: لغة العصر السائدة آنذاك، بأدواتها الفكرية والعقلية والاجتماعية والظروف التاريخية والفكرية لزمن النص التراثي، مما يُتيح قراءة عقلية للنص التراثي، تشتمل على كيفية تكوينه وأسبابه وكيفية تلقيه وفهمه، وإمكانية استمرار قراءته وصلاحيتها.

ويصف "الألوسي" منهجه في قراءة النص التراثي بأنه "انتقال من الواقع إلى الأفكار"، ذلك الانتقال الذي يحدث عبر المنهج التاريخي الجدلي، ويعتمد على الواقع وتجلياته الفكرية والمعرفية في التراث، ثم ما ترتب عليه من أفكار، وما تولدت عنه من مسارات فكرية وتطبيقات عملية أو فعلية استمرت أو انتهت.

ويُقدم "الألوسي" انتقاداً لبعض محاولات قراءة النص التراثي، والإنتاجات الفكرية التراثية المعاصرة، بسبب استخدامها المنهج الأحادي في النظر إلى التراث، وتركيزها على جانب دون الجوانب الأخرى، مثل استخدام أحد المناهج المثالية أو الوضعية أو البراغماتية أو الذرائعية، فتأتي قراءة التراث قراءة غير وافية وناقصة، حسب قوله. 

العلم والفلسفة

جمع "الألوسي" في مشروعه الفكري الفلسفي بين العقلانية والعلم والفلسفة، لا سيما وأن كل فرع من فروع العلم له موضوع مخصص محدد المجالات والأبعاد، وليست له رؤية شاملة إلا في مجاله فقط، بينما الفلسفة تتسم بالرؤية الشاملة لكل المجالات الإنسانية والمجتمعية، مضافاً إليها الخبرة البشرية الفردية والعامة، ما يمكن أن يطبع على نقد التراث سمات الشمولية، حسب قوله.

ويرى أن العقلانية هي استخدام العقل المستقل عن أي سلطة خارجة عنه لا يخضع لها، فيكون العقل "حُراً متبعاً ذاته"، حسب قوله؛ حتى يتيح امتيازات فكرية ومساحات واسعة لا تتوفر في أي منهجية فكرية لا تعتمد على العقل.

والعقل، عنده، هو المبدأ العام الذي يشترك فيه كل الناس، يتفقون على مبادئه وماهيته، ولا يمكن التفرقة في هذه المبادئ بين الفئات المختلفة في هذا المبدأ العام، حسب قوله.

وباستخدام المنهج العقلي المرتبط بالفلسفة والعلم، انتقد "الألوسي" كثيراً من الأفكار التراثية، التي نالت صفة التقديس، مثل مسألة الخلق من عدم، ووصل عبر قراءته النصوص الدينية، القرآن الكريم والأحاديث المنسوبة للنبي، عبر منهجه التكاملي، إلى أنهما خاليان من أي إشارة إلى فكرة الخلق من عدم، ولم يتناولها القرآن أو الحديث الصحيح. 

وعبر منهجه التاريخي الجدلي، اكتشف أن "فكرة الخلق من عدم أطروحة دخلت على الفكر الإسلامي عبر مدارس علم الكلام بطابعها اللاهوتي، التي انتشرت بعد الفترات الأولى للإسلام وأعطت هذه الأطروحة الفكرية طابعاً دينياً مقدساً"، حسب قوله.

وأنصف "الألوسي" الفلسفة الإسلامية، فوصفها بأنها ليست نسخة مقلَّدة ومكررة من الفلسفة اليونانية، بل هي فلسفة خالصة واجهت الإشكاليات العقلية آنذاك، وبحثت فيها وحاولت الإجابة عن تساؤلات فلسفية عميقة، نابعة من ذلك العصر دون غيره، مثل أسئلة الوجود والعقل والنفس والعلم والحرية والأخلاق وغيرها؛ وقد أنتجت -الفلسفة الإسلامية- مناهج نقدية فكرية، مثل منهج الغزالي في نقده للفلاسفة المسلمين في زمنه أو السابقين عليه، ومثل الفارابي وابن سينا وغيرهما.

مبدأ الحرية 

الحرية مبدأ هام وشامل عند "الألوسي"، فقد نادى بالحرية العامة وحرية الفكر والإبداع، وحرية اعتناق الآراء وحرية الحوار والنقاش وغيرها، ورأى أنها سبيل هام لتطبيق مشروع فكري عربي تجديدي، حسب قوله. وتشتمل الحرية عنده على حرية النقد، سواء نقد التراث العربي والإسلامي، أو حرية نقد الإنتاجات الفكرية والثقافية المعاصرة، دون حدود، حسب قوله.

وانطلاقاً من مبدأ الحرية، الذي أقره، أعلن رفضه للدولة الدينية التي تُقحم الدين والشريعة في جميع التفاصيل الحياتية والمجتمعية، وفضل عليها الدولة المدنية ونادى بها، وشدد على مدنية التشريع في الأمور العامة للدولة، وفي المقابل أكد أهمية ترك العبادة الشخصية والأمور الدينية التعبدية والشعائرية وفقاً للفرد، دون تدخل من الدولة فيها بأي شكل.

وختاماً، حاول المفكر والفيلسوف العراقي حسام محيي الدين الألوسي، في مشروعه النقدي الفكري، تصحيح النظر إلى التراث وتوضيح المفاهيم التراثية بجوانبها الدينية والفكرية والفلسفية، مستخدماً العقلانية والمناهج الفلسفية الحديثة، متجاوزاً نقد التراث إلى الواقع المعاصر، حتى يمكن زيادة مساحة الحرية الفكرية التي تمكن من إنتاج وإبداع مشروع عربي فكري فلسفي حضاري، يتجاوز الماضي التراثي ويتجنب أخطاء المشروعات الفكرية المعاصرة.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة