الزي "الإسلامي":

هل حدد الشرع شروطاً قاطعة لملابس المسلمين؟

مركز حوار الثقافات

09-10-2024

ظهر خلال السنوات الماضية نوع من الخطاب الديني ركز بصورة كبيرة، تكاد تكون مفرطة، على المظهر الخارجي للمسلمين على حساب جوهر العقيدة في بعض الأحيان، وأحدث جدالاً واسعاً حول شروط الملابس التي يجب اتباعها، خاصة للمرأة المسلمة. فبين الجدال حول تقصير الجلباب للرجال، وفرضية الحجاب أو النقاب للمرأة، وغيرها من الآراء، يظهر التساؤل الجوهري: هل ثمة زي إسلامي يجب على المسلمين ارتداؤه؟ وهل حدد النص القرآني شروطاً واضحة وقطعية لملابس المسلمين؟ أم أن هناك تفسيراتٍ وآراءً مختلَفاً عليها؟

آراء فقهية

ركز الفقهاء على عدد من النقاط لتحديد ملامح "الزي الإسلامي"؛ أهمها قضية الطول والقصر، والزينة، وخامة الملابس بين الزهد والرفاهية، وغيرها، وفيما يلي أهم الآراء المختلفة حول هذه القضايا.

1. "الطول": أكد كثير من الفقهاء عدم جواز إطالة الثوب أسفل الكعبين لارتباط تلك الممارسة بالكبر بصفة أساسية في بعض الأزمنة، بينما ذهبت الآراء الأكثر حداثة نحو نفي التحريم إذا انتفت صفة الكبر المرتبطة بتلك الممارسة. وفيما يلي تفصيل لآراء بعض الفقهاء البارزين: 

‌أ. ابن باز: يقول ابن باز بعدم جواز "الإسبال" مطلقاً، ويعرف الإسبال بأنه إنزال الملابس إلى ما دون الكعبَيْن؛ حيث اعتبر ذلك وسيلة للتكبُّر عموماً، غير أنه نوع من الإسراف وتعريض الملابس للنجاسات والأوساخ؛ مستنداً في ذلك إلى مرويّات من الأحاديث المنسوبة للنبي، تقول إن “ما أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار”، وإن “المسبِل إزاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة”. ويضيف ابن باز أنه “لا بأس أن يكون الإزار فوق الكعبين من نصف الساق”.

‌ب. أبو الوليد الباجي: يذهب أبو الوليد الباجي، وهو من أئمة المالكية، في “المنتقَى”، إلى أن “حكم تحريم الإسبال يقتضي تعلُّقه بمن جره خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو عذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد”. 

‌ج. زكريا الأنصاري: يقول زكريا الأنصاري، وهو من أئمة الشافعية، في كتابه “أسنى المطالب”، بأنه “محرمٌ على الرجل إطالة الثوب طولاً فاحشاً، أو إنزال الثوب ونحوه عن الكعبين للخيلاء”.

‌د. ابن قدامة: يقول ابن قدامة، وهو من فقهاء الحنابلة، بـ”كراهة إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم”.

‌ه. ابن تيمية: يذهب ابن تيمية إلى “تحريم الإسبال على وجه المخيلة، (أي الكبر) والمطلق منها محمول على المقيد؛ وإنما أطلق ذلك لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة”.

‌و. شوقي علام: يقول الدكتور شوقي علام، مفتي مصر السابق، إن “المحرَّم من الإسبال هو ما كان على جهة الخُيَلاء والتكبر، وأما ما كان خالياً من شيءٍ من ذلك فلا يُحرَّم، خصوصاً إذا جرت به “عادة الناس”، ولم يعد الارتباط أو التلازم بين الخيلاء والتكبر وبين الإسبال، بخلاف ما كان يمكن أن يكون قديماً من ارتباطٍ مَرَدُّه إلى الأعراف والعوايد”، حسب قوله؛ فإذا انتفى الخيلاء لم يكن الإسبال محرماً، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء من المذاهب المختلفة، إعمالاً للقاعدة الأصولية في حمل المطلق على المقيَّد، جمعاً بين الأدلة، دون اضطرار إلى إعمال أحدها وإلغاء الآخر، والإعمال أولى من الإهمال.

2. "الحرير": يرى بعض الفقهاء والمفسرين وجود شروط شرعية لهيئة الثوب، وللخامات المستخدمة فيه:

‌أ.ابن باز: يقول ابن باز إن “الستر مطلوب، والرجال والنساء يختلفون في هذا؛ فالمرأة عورة كلها”، حسب قوله؛ وأمرها خطير، فالواجب على النساء التستُّر، والعناية، وعدم إظهار حجم الأعضاء بالملابس الضيقة، أو الملابس الرقيقة، والواجب عليهن أمر كبير، وواضح المعنى، وخطر تفريطها في ذلك واضح كبير، فستر الأعضاء واجب عن غير المحارم، وأن المحرم يباح له النظر إلى ما ظهر منها غالباً من وجه، وكفين، وقدمين، ونحو ذلك، كالقرط، والحلق، ونحو ذلك.

وأما الرجل فأمره أوسع إذا ستر ما بين السُّرة والركبة بشيء صفيق متين، يستر ما بين السرة والركبة، فهذا كافٍ.

ويقول ابن باز بتحريم ارتداء الملابس “المصنوعة من الحرير” على الرجال مطلقاً؛ مستنداً إلى مرويات من الحديث عن النبي الأكرم، تقول بالتحريم المطلق، اعتماداً على قول منسوب إلى النبي: “مَن لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة، وإن من يلبس الحرير لا خلاق له في الآخرة”، حسب قوله.

‌ب.عطية صقر: يقول الشيخ عطية صقر، وهو من علماء الأزهر الشريف، بتحريم ارتداء الحرير مطلقاً، وإن “مَن ارتداه في الدنيا لن يرتديه في الآخرة، وحتى على النساء إلا إذا لم يتعدَّ ثلاثة أصابع أو أربعة، ويحرم لباس الشهرة، وهو ما يتميز به اللابس من الآخرين ليُنظر إليه ويُعرف به ويُشتهر”، حسب قوله.

ويقول كذلك إنه “يكون فيه تشَبُّهٌ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ وليس العَكس، وألَّا يُشبِهَ لِباسَ الكُفَّارِ ولا أهلِ البِدَعِ ولا الفُسَّاق مِن النَّاسِ”.

‌ج.جلال الدين السيوطي: يذهب جلال الدين السيوطي، الفقيه الشافعي، في كتاب “الأوائل”، إلى أن “المحرَّم من الحرير هو الخالص، أما المخلوط فيُحرم إذا كان الحرير غالباً في الوزن أو المظهر، وجاء فيه أن أول مَن لبس الحرير قوم لوط، وأن أول من استخرجه من الديدان وتعلمه من الجن هو “جمشيد”، وكان في أول أمره ملكاً عادلاً، ثم طغى فسُلب مُلكه وهرب إلى الهند ومات مجوسياً وقتله الضحَّاك من ملوك اليمن”.

"إباحة" قرآنية

“الأصل في الأشياء الإباحة”، هي القاعدة الفقهية في علم الأصول للحكم على المحدثات من الأشياء بالإجازة أو بالتحريم، ولم تَرِد في كتاب الله أي محظورات أو محرَّمات في أنواع الثياب؛ إذ يقول الله في كتابه العزيز، في سورة الأعراف: ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32].

يقول فخر الدين الرازي، المنتمي إلى الشافعية، إن الآية تتناول “جميع الزينة” فيدخل تحتها جميع أنواع الملبوس والحُلي. ويذهب ابن جرير الطبري، المفسر والفقيه، إلى خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان، مع وجود السبيل إليه، فالأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات “الإباحة”.

إن معنى “قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا”، أي أنها لهم بالأصالة والاستحقاق، “وإنْ شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة”، “خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ”، أي مختصة بهم، والتقدير “قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ” غير خالصة في الحياة الدنيا، خالصة للمؤمنين يوم القيامة، فهي لهم أصالة.

ويقول ابن كثير في تفسيره الآية، إن الله تَعَالَى يقول رَداً عَلَى مَنْ حَرَّم شَيْئاً مِنَ الْمَآكِلِ أَوِ الْمشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ، مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ مِنَ اللَّهِ: “قُلۡ” يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَ بِآرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَابْتِدَاعِهِمْ: ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ﴾، أَيْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَبَدَهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ شارَكَهُمْ فِيهَا الْكُفَّارُ حِساً فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ لَهُمْ خَاصَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَشْرَكهم فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّار.

ختاماً، فإن كل ما يتعلّق بالملبس والزينة في القرآن أصله الإباحة، وليس المنع، ويصل في بعض الآيات إلى درجة الأمر، كما قال الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].

يَثبُتُ من هذه الآية الكريمة أن أخذ الزينة “واجب”؛ حيث يقول الله سبحانه في كتابه العزيز، في سورة الأعراف: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26].

 

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة