أصول جديدة:

لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

مركز حوار الثقافات

01-09-2024

انطلاقاً من البحث عن إجابة لتساؤل: “أين مصداقية الرسالة المحمدية، ليس في يثرب ومكة، بل في باريس ومونتريال، وليس في القرن السابع الميلادي، بل في القرن العشرين والقرن التسعين؟”، يبدأ الدكتور محمد شحرور كتابه “نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي.. فقه المرأة”، مؤكداً في بداية كتابه، الصادرة طبعته الأولى عام 2000، عن دار الأهالي بسوريا، الإيمانيات الأساسية في هذه الرسالة، فهو يؤكد إيمانه بأن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتمة، وأن محمداً نبي الله ورسوله ﷺ وألا نبي ولا رسول بعده، وهي رسالة لكل الأقوام على ظهر الأرض، وهي لكل أهل الأرض في كل زمن تالٍ لها.

ويفترض الكاتب أن كافة القضايا الخاصة بالتشريع والفقه، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالمرأة، يجب أن تنطلق في ضوء فهم كتاب الله وتنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مؤكداً أن الإسلام سيظل أمام إشكاليات جديدة من الناحية الفقهية، وأمام حواجز تمنع من محاولة البحث عن حقيقته في آيات التنزيل الحكيم.

فهم السنة

ينطلق “شحرور” في الكتاب من مسألة فهم السنة النبوية، فيقول إن “محمداً بن عبد الله ﷺ إنسان بشر له بُعد إضافي يميزه عن الناس، وهو الوحي، مثلما جاء في التنزيل: “قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ” (الكهف 110)، أوحي إليه التنزيل الحكيم وبلّغه للناس”، أما الاستعانة بأقوال وأفعال الرسول، بحسب الكاتب، والتأسي الحسن بما يقول ويفعل، فهو في أنه تعامل مع التنزيل الحكيم من خلال سيرورة وصيرورة الفترة التاريخية للعرب في شبه جزيرتهم، أي في حدود التاريخ والجغرافيا، ضمن مستواهم الاجتماعي والمعرفي، فأسس الرسول ﷺ دولة مركزية وحقق قفزة نوعية، وكان مرآة صادقة لعصره.

من هنا يصل الكاتب إلى أن الرسول ﷺ “لم يكن فيلسوفاً ولا رجل فكر، بل كان رجل دعوة، جاءه الفكر من المطلق وطبقه في عالم نسبي محدود زمانياً ومكانياً”، وبالتالي فإن “استنباط الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام يكون حصراً من القرآن، لا من أقوال الرسول الأعظم ﷺ، لأن هذه ليست من مهماته كرسول، ولا من أقوال معاصري البعثة النبوية لأن هذا ليس مطلوباً منهم أصلاً”، على حد قوله.

تجاوز التقليد

يرى الكاتب أن ثمة ضرورة لتجاوز الأفكار التقليدية فيما يتعلق بفقه المرأة، وتجديد هذا الفقه، وهو الأمر الذي يرتبط بعددٍ من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- تخطي فوبيا التراث والزندقة: لقد انطلق الطرح التراثي من مبدأ “الحفاظ على هذا التراث” و”الحفاظ على الهوية”، بحسب الكاتب، فأهمل العلوم الإنسانية ولم يعبأ بالفلسفة وعلومها التطبيقية، ورفع شعار “من تَمَنْطق فقد تزَندق”، وإذا سألتهم عن الغاية من وراء كل هذا التحجر قالوا: الآخرة.

ويلفت الكاتب إلى أنه لا يجب أن نغتر بأعداد خريجي الجامعات الأجنبية في العلوم والتكنولوجيا، لأن البعد الإنساني عندهم غائب؛ إذ نرى طبيباً تخرج في جامعة بريطانية لكنه لا يزال يحدثك بكل جدية عما يسمى “الشجاع الأقرع” الذي يتكفل في القبر بتمزيق مَن يبول واقفاً. كما يحدثك عن الحكمة الإلهية من خلق المرأة تنحصر في أنها فتنة شيطانية للرجل، وأن معظم أهل النار من النساء.

2- ضرورة الاجتهاد مع النص: حيث يذهب “محمد شحرور” إلى الرد على مقولة “لا اجتهاد فيما ورد فيه نص”، بمنطق “اجتهد خارج النص”، متسائلاً في تعجب: “ولماذا أجتهد إن كان لا يوجد نص؟! فمع عدم وجود نص يستطيع المشرع أن يشرع ما يشاء، وبهذا فقط يكون لدينا فلسفة إسلامية وفقه إسلامي جديد”، حسب قوله.

3- إعادة النظر في قوانين الميراث: يطرح الكاتب فكرة جريئة حول ضرورة إعادة النظر في قوانين الميراث؛ حيث ينفذ إلى قوانين الإرث في الإسلام من باب المساواة، فيقول إن “المساواة بين شيئين، خاصة في الحقول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تتطلب تحديد الوجه الذي تساوى فيه الشيئان، وضرب مثلاً بمساواة المرأة بالرجل، فقال إنها لا يجوز أن تؤخذ بعموم إطلاقها، فهناك نواحٍ لا يمكن أن تتحقق فيها المساواة مثل النواحي الفسيولوجية، لذا جاء القول بالمساواة في فرص العمل والأجر وحق الانتخاب”.

ويميز الكاتب، في هذا الصدد، بين نوعين من المساواة، أحدهما المساواة الرياضية، كأن نقول 2 + 2 = 4، فهذه الأعداد مجردة عن أي صفة أو إضافة أو معنى، بحسب شحرور، لذا فهي لا تُفهم إلا من الناحية العقلية البحتة. أما النوع الثاني فهو المساواة في المجموعات؛ حيث تكون بين مجموعات وبين أفراد (عناصر) المجموعة الواحدة، حسب الكم في كل مجموعة، وحسب الكيف في كل منها.

وينتقل الكاتب بعد تمييز مصطلح المساواة إلى قواعد الإرث التي جاء بها الإسلام ووجب أن تكون لكل الناس قاطبة في الأرض، ويجد أنها وُضعت من مستوى الذكر والأنثى، وهذا يعني أن ثمة مساواة قائمة بين مجموعتين مختلفتين، وبالتالي -حسب الكاتب- ليس من الضروري أبداً أن يكون نصيب الذكر “الواحد” في المجموعة الأولى من الإرث يساوي نصيب الأنثى في المجموعة الثانية، لأن ذلك يتبع عدد الأفراد في المجموعة الثانية.

ويضرب الكاتب مثالاً بأخذ مجموعة ذكور من 3 ومجموعة إناث من 6، ووضعنا مساواة بين المجموعتين، أي جعلنا حصة الذكور تساوي حصة الإناث، ففي هذه الحالة يكون “للذكر مثل حظ الأنثيين”، وينطبق ذلك على كل المجموعات التي يكون فيها عدد الإناث ضعف عدد الذكور، وهنا نلاحظ كيف أخذ نص “للذكر مثل حظ الأنثيين” معنى جديداً، وأنه ليس قطعي الدلالة كما فُهم خلال 14 قرناً من الزمان.

أما إذا أخذنا مجموعة ذكور عدد أفرادها يساوي عدد أفراد مجموعة إناث، وكانت حصة المجموعة الأولى تساوي حصة المجموعة الثانية، كان نصيب الأنثى في هذه الحالة يساوي نصيب الرجل، وفي هذه الحالة يكون “وإن كانت واحدة فلها النصف”، أي مجموعة ذكور عناصرها يساوي الواحد (ذكر واحد) ومجموعة إناث عناصرها أنثى واحدة وبينهما تساوٍ.

ويلخص الكاتب ذلك بأن نظريات المجموعات (الرياضيات الحديثة) أعطتنا زوايا وآفاقاً جديدة في قراءة آيات الإرث في القرآن قراءة معاصرة، بعد أن أعطتنا آفاقاً جديدة في قراءة المجتمع.

4- التفسير السياسي – التاريخي لإرث المرأة: يقدم الكاتب مدخلاً سياسياً – تاريخياً لتفسير قضية إرث المرأة؛ حيث يقول: “لو حاولنا تطبيق الديمقراطية على مجتمع منقسم إلى مجموعات لا تعتبر المصالح الاقتصادية والمعاشية والإنتاج والخدمات أساسية ومسيطرة فيه، نتج لدينا ديمقراطية ممسوخة، كتلك التي نراها في الدولة العشائرية أو القبلية وفي الدولة الدينية. فحين طبعت الأسرة والعشيرة والقبيلة التقسيمات المجتمعية بطابعها ظهر المجتمع الذكوري، وهذا ما كان سائداً عند العرب في شبه الجزيرة العربية أيام البعثة النبوية، ومن هنا نفهم لماذا كانت المرأة عنصراً ثانوياً مرتبطاً بمجتمع الأبوة، فتم تفضيل الذكور على الإناث، تحت مبرر أن الذكر هو المسؤول من أخ وعم، وبالتالي يأخذ حصة أكبر، وهذه إحدى إشكاليات الإرث التاريخي”، بحسب الكاتب.

5- ارتباط قضية الإرث بأسباب نزول تاريخية: تم وضع المواريث، بحسب الكاتب، بناءً على أسباب نزول تاريخية، وعلى أساس ما بها من سُنة نبوية، إذ ورد عند “الواحدي” خبران فيها، فيقول: “(يوصيكم الله في أولادكم… الآية) حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول الله، هاتان بنتا ثابت بن قيس أو قالت سعد بن الربيع، قُتل معك يوم أحد، وقد استفاء عمُّهما مالهما وميراثهما، فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله، فوالله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال، فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت سورة النساء وفيها (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، إلى آخر الآية، فقال لعمهما: أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن، وما بقي فلك”.

وينتج لنا هنا بحسب “شحرور” الآتي “من جهة أولى، آيات الإرث كما هي في التنزيل الحكيم (لا تحمل الصفة التاريخية) فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعموم اللفظ في الأساس يكمن في التحليل والاجتهاد، حيث إن هناك مرونة في عموم اللفظ، لا في تاريخية الحدث الذي وراءه، أما مناسبة النزول -إن صحّت- فهي أمر تاريخي. ومن جهة ثانية، علم الفرائض والمواريث السائد الآن في توزيع التركات يحمل الصفة التاريخية”.

ويخلص الكاتب إلى ضرورة إعادة النظر في قضايا فقه المرأة، بما فيها قضية الميراث؛ حيث يقول: “إننا إذا نظرنا إلى كتب المواريث وتطبيقاتها العملية وجدنا أنفسنا أمام إشكاليات غير مقبولة، ووجدنا أنفسنا أمام أحد أمرين: إما أن نقول إن ما جاء في كتب المواريث هو عين محتوى آيات الإرث، ونجعل بذلك الآيات تحمل الصفة التاريخية فتزول عن القرآن صلاحيته لكل زمان ومكان، أو أن نحاول تعديل كتب المواريث لنفي ما فيها من إشكاليات فنكون كمَن ينقض آيات الإرث ذاتها، وسبب ذلك أن الفقهاء أعطوا السُّنة القولية وأخبار الصحابة وأسس الفقه صفة الكينونة المطلقة، كما لو أن كتب المواريث والفرائض مستقلة بذاتها بعيداً عن آيات الإرث في التنزيل الحكيم، وهذا غير صحيح طبعاً”، على حد قوله.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

القصص القرآني: لماذا يجب تجاوز العقل "السلفي" في قراءة النص الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة