خلاف فقهي:

إمامة المرأة للرجال بين التأييد والرفض

مركز حوار الثقافات

01-09-2024

في شهر مارس 2005م اعتزمت الأمريكية الدكتورة أمينة ودود، أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة فرجينيا كومنولث، أن تؤم وتخطب بمصلّين من الرجال والنساء في صلاة يوم الجمعة، مما أثار الجدل بين علماء المسلمين حول مسألة إمامة المرأة عموماً، وإمامة المرأة للرجال تحديداً.

فهل يمنع أهل الفقه إمامة المرأة جُملةً، أم يجيزونها اعتماداً على أحكام وشروط شرعية بدراسة وتحليل كل حالة على حدة؟

إمامة المرأة للنساء

بين علماء المسلمين خلافٌ واضح حول مسألة إمامة المرأة للنساء، بين من يرفضها جُملةً، وبين من يُجيزها ويرى رفع الحرج عنها.

أولاً: الآراء الرافضة إمامة المرأة للنساء: يقول بعض علماء المسلمين بعدم جواز إمامة المرأة جُملةً، وهو أمرٌ غير مستحَب؛ إذ يقول سليمان بن يسار، وهو مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وتابعي مدني وأحد رواة الحديث، إن المرأة “لا تؤم في فريضة ولا نافلة”؛ ويذهب الإمام مالك إلى أن المرأة “لا ينبغي لها أن تؤم أحداً من النساء أو الرجال”.

ثانياً: الآراء المؤيدة إمامة المرأة للنساء: يقول مذهب الجمهور من علماء الحنفية والشافعية والحنابلة، بجواز إمامة المرأة للنساء، وأن تصلي بهن الفريضة والنوافل، وأنها تقوم في وسط الصف، فإنْ تقدَّمَت عليهنَّ صَحَّت صلاتهنَّ “مع الكراهة”، وتجهر بالقراءة في صلاة الجهر إلّا أن يوجد رجال من غير محارمها.

ويذهب ابن باز إلى أن إمامة المرأة للنساء جائزة ولا حَرج فيها، بل مستحبة عند الحاجة إلى ذلك للتعليم والتوجيه؛ فإذا تيسّر للمرأة القارئة الفقيهة أن تؤم نساء غيرها فهو أمر حسن وفيه مصالح كثيرة، حسب قول ابن باز.

وذهب الشافعية إلى القول بجواز صلاة جماعة النساء، بل قالوا باستحبابها وأنّ الشرع الحنيف ندب إليها، وكيفيتها وقوف “المرأة الإمام” في وسط الصف الأول بين النساء، فلا تتقدم عنهن.

ويقول الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، إنه “لا فرق في استحباب الجماعة بين المرأة والرجل، وهو مذهب عطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور، فصلاة المرأة في جماعة مع غيرها من النساء وإمامتها لهن مشروعة مستحبة”؛ مؤكداً: “النساء متساويات مع الرجال في تحصيل فضيلة الجماعة، وإقامة الصلاة جماعة من قِبَلهن وحدهن كما يقيمها الرجال وحدهم”، حسب قوله.

إمامة المرأة للرجال

بين علماء المسلمين خلافٌ على مسألة إمامة المرأة للرجال، فيوجد مَن هو قائل بمنعها، ويوجد من يجيزونها بأحكام وشروط شرعية.

أولاً: الآراء الرافضة إمامة المرأة للرجال: يقول ابن قدامة في “المغني”: إن “المرأة لا يصح أن يأتمَّ بها الرجل بحال، في فرض، ولا نافلة، في قول عامة الفقهاء”.

ويقول السعدي: “إن الله تعالى ينهى المؤمنين عن أن يتمنّى بعضهم ما فضل الله به غيره، من الأمور الممكنة وغير الممكنة، فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغني تمنياً مجرداً، ولهذا تختص الإمامة بالرجال، ولا مدخل للنساء بها”.

ويقول الإمام الشافعي: “إِذَا صَلَّت الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلاةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلاةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ؛ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ، وَقَصَرَهُنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ أَوْلِيَاءَ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلاةٍ بِحَالٍ أَبَداً”.

ويذهب المالكية إلى رفض إمامة المرأة، حتى للنساء، ويجعلون الذكورة شرطاً في الإمامة مطلقاً.

ويقول ابن باز إنه “لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة وعلى المذكور أن يُعيد صلاته”، حسب قوله. كما يقول ابن حزم: “إن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة، فإن فعلوا فصلاتهم باطلة بإجماع”.

ثانياً: الآراء المؤيدة إمامة المرأة للرجال: يقول الدكتور علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، بوجود خلاف بين علماء المسلمين حول تلك المسألة، فعلماء وأئمة يجيزون إمامة المرأة للرجال مثل الإمام الطبري، وإن كانوا يختلفون حوْل مكان وقوفها، أمام الرجال أم بمحاذاتهم.

ويذهب جمعة إلى أن “الأمر في مثل تلك الحالات الخلافية يكون مرجعه إلى أهل الشأن؛ فإذا ما قبلوا أن تؤمَّهم امرأة فهذا شأنهم، ولا حرج عليهم ما دام لا يخالف ذلك ما تعارفوا عليه”؛ مؤكداً أن “المرأة المسلمة على مدار العهود تولت المناصب وقادت الدول دون غضاضة، حتى إن القرآن أشار إلى صلاح “بلقيس” ملكة سبأ، وتولَّت “شجر الدر” حكم مصر، وفي التاريخ الحديث عدد من النساء تولّين الرئاسة في دول إسلامية مختلفة”؛ موضحاً أن “المراد هو الكفاءة وليس الجنس أو إثبات الحالة”.

ورداً على استدلال البعض بعدم جواز تولي المرأة لأمور الحكم بالحديث الشريف “لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة”، قال الشيخ علي جمعة: “إن الاستدلال خاطئ لأن الحديث خاص بحالة معينة لا يجوز تطبيقها على العموم، وهي واقعة تمزيق ابنة كسرى، ملك الفرس، رسالة بعث بها رسول الله إليه يدعوه فيها إلى الإسلام، واعتدائها على حامل الرسالة، فكان كلام الرسول رداً على تلك الواقعة”.

وذهب الإمام الطبري والمزني وداوود إلى جواز إمامة المرأة للرجال مطلقاً، ما عدا خطبة وصلاة الجمعة؛ بينما قال المزني وأبو ثور وأحمد بن حنبل بجواز إمامة المرأة في التراويح والنوافل. وعند الحنابلة قول معتبرٌ منصوص عليه بجواز إمامتها الرجال في صلاة التراويح.

واختلف علماء المسلمين المؤيدين إمامة المرأة للرجال، حول المكان الذي تقف فيه المرأة في أثناء إمامتها الرجال في الصلاة، خلفهم أم أمامهم؛ واتفق معظمهم على وقوفها خلفهم في أثناء إمامتها إياهم في الصلاة.

ويقول العضو المؤسس لهيئة العلماء المسلمين، الشيخ عبد الباري الزمزمي، بأنه “لا يوجد أي دليل شرعي يمنع المرأة من الإمامة”؛ ويفسر الشيخ الزمزمي معارضة عديد من رجال الدين المسلمين إمامة المرأة بـ”العُرف والعادة السائدة”، قائلاً: “يؤم الرجال منذ زمن بعيد، وبقوا متمسكين بهذا العُرف، لكن على المستوى الشرعي فالإسلام لم يحرم قط إمامة المرأة”. وبالنسبة إلى قبوله الصلاة وراء امرأة، يقول الفقيه المغربي إنه “لا يمانع من أن يقوم بذلك إذا توفرت فيها الشروط الشرعية للإمامة”.

وتقول الدكتورة نائلة السليني، أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة سوسة: “إن الصلاة أيام الرسول محمد لم تكن مقيدة بالضوابط الموجودة حالياً، وكان الرجال يختلطون بالنساء، وتوجد نصوص إسلامية تدل على اختلاط الجنسين في المساجد”، حسب قولها.

وتشير إلى أن هذه العقلية هي التي تروّج تحريم إمامة المرأة، مؤكدة أن “مكانة المرأة حالياً في المجتمعات الإسلامية هي نتيجة فهم وتأويل خاطئ للدين الإسلامي”. وردت السليني عدم قبول عديد من الفقهاء بإمامة المرأة إلى “التضييق الممارَس ضدها، وعدم اعتبارها كائناً متساوي الحقوق مع الرجل”.

وختاماً، فإن اختلاف الآراء الفقهية في مسألة إمامة المرأة للرجال، هو أمر ملحوظ وواضح، وفيه من التباينات ما يجعل المسألة مدعاة لإعادة البحث ومراجعة التأصيل الشرعي لها، مع ملاحظة ثبوت آراء مؤيدة لإمامة المرأة للرجال من علماء أجلّاء، كالإمام الطبري والمزني وأبي ثور وداوود وأحمد بن حنبل، وغيرهم.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة