التصحيح الجنسي:

ضرورة بيولوجية رغم اختلاف الآراء الفقهية

مركز حوار الثقافات

01-09-2024

التحوّل الجنسي، أو ما يسمَّى “اختلاف الهويّة الجنسية للذكر أو للأنثى عن الجنس المحدّد لهما عند الولادة”، يُعَدّ معضلة شائكة في المجتمعات الإسلامية، تتطلّب تعاملاً فقهياً مختلفاً ودقيقاً من علماء الشرع على مستوى الفتاوي، في ما يخص الإجازة أو المنع الفقهي للعمليات الجراحية التي قد تتطلّبها عملية التحوّل الجنسي، والتعامل الشرعي في مسائل المواريث والاختلاط والزواج وأحكام الصلاة، على سبيل المثال لا الحصر.

فما أسباب التحوّل الجنسي؟ وما الآراء الفقهية المختلفة عند علماء المسلمين حول تلك المسألة؟ وهل الأمر حالياً يتعلق بأزمة التعامل المجتمعي أكثر منها أزمة فقهية؟

 آراء طبية واجتماعية

تتعدد الآراء حول مسألة “التحول الجنسي”، بين الآراء الطبية، والآراء الاجتماعية..

أولاً، الآراء الطبية: يقول الدكتور محمد عبد الرسول، مدرّس جراحة المسالك البولية والتناسلية، إن التسمية الصحيحة لعمليات التحول الجنسي هي “التصحيح الجنسي”، ويجب عرض الشخص أولاً على طبيب نفسي مختص لتشخيص حالته النفسية أولاً، وتحديد الهوية الجنسية تجاه نفسه والآخرين، ثم الإقرار بمدى احتياجه إلى عملية التدخل الجراحي بناءً على ذلك، مع الحصول على الرعاية الطبية والنفسية الواجبة.

ثانياً، الآراء الاجتماعية: تقول الدكتورة سمية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن اضطراب الهوية الجنسية أمر وارد في كل مكان في العالم، ويجب أن يتولَّد وعي ثقافي واجتماعي بهذه الحالة، وإنْ تراءت ضرورة طبية لإجراء تحول جنسي فيجب أن نُعطي الشخص حقه في العلاج وتصحيح مسار نوعه.

 أسباب التحوّل الجنسي

تأتي مسألة التحول الجنسي نتيجة لسببين:

أولاً، أسباب بيولوجية: ولادة الإنسان بأعضاء تناسلية داخلية غير التي تبدو ظاهرياً.

ثانياً، أسباب نفسية: اضطراب الهويّة الجنسية؛ إذ يولد الإنسان بهوية جنسية مختلفة عن جنسه البيولوجي، ويُعرَّف في منظمة الصحة العالمية على أنه “مرض عضوي بأثر نفسي ناتج عن اضطرابات هرمونية في أثناء الحمل”.

وعادة ما يُخالف أصحاب الهوية الجنسية المختلفة العادات الاجتماعية النمطية للجنس المولودين به، خلافاً للأعراف والتوقعات الاجتماعية السائدة.

 آراء فقهية ترفض التحوُّل

يذهب بعض متخصصي الشريعة إلى رفض عملية التحوّل الجنسي فكرة وموضوعاً، أياً كانت أسباب ذلك التحوّل، نفسية أو بيولوجية؛ إذ يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن التحول الجنسي “أمر مُخالف للشريعة الإسلامية، ولا يمكن السماح به ولا توجد له شروط نهائية؛ لأنه قابل للعلاج النفسي حتى يتوازن الشخص”، حسب قوله؛ مشدّداً على أن التحول الجنسي “يجعل الإنسان مشوَّهاً، لا هو بذكرٍ ولا بأنثى”؛ ومضيفاً أن ما يشعر به الإنسان في داخله أنه جنس آخر غير الظاهر عليه، بحسب قوله “ليس عذراً ولا حجة لتغيير جنسه، بل هو متَّبِعٌ للشيطان ومرتكبٌ كبيرة من كبائر الذنوب”، مُعتبراً التحوُّل الجنسي “تغييراً لخلق الله، لذا فهو أمر حرامٌ شرعاً”، حسب قوله.

آراء فقهية تؤيد التحوُّل

يقول الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، إن اضطراب الهوية الجنسية هو “تشخيص يطلقه أطباء وعلماء النفس على الأشخاص الذين يعانون من حالة عدم الارتياح أو القلق حول نوع الجنس الذي وُلدوا به، وهو يعتبر تصنيفاً نفسياً، يصف المشكلات المتعلقة بالتغير الجنسي وهوية التحول الجنسي والتشبّه بالجنس الآخر، ما يعني اختصاراً أن الإنسان قد يجد في نفسه شعوراً لا إرادياً بالانتماء إلى الجنس الآخر، رغم اكتمال خلقته الجسدية وسلامة أعضائه التناسلية، وإن اضطراب الهوية الجنسية مشكلة معروفة منذ زمن قديم سابق لعصور الإسلام”، حسب قوله.

ويؤكد الشيخ علي جمعة أن ترجيح جنس “المُشْكِل” تبعاً لميوله القلبية أو ما يمكن أن يُعبّر عنه اليوم بـ”الإحساس الداخلي” بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر، لا يعتبر إلا في حالتين: الأولى، عند العجز عن رؤية علامات ظاهرة لتحديد الجنس؛ والثانية، إذا لم يكن له ذكر رجل أو فرج أنثى.

ويذهب جمعة إلى أن الاضطراب اللا إرادي والمشابَهَة، قد يكونان عارضَيْن في السلوك والحركات والكلام، ولا يُلحَق بالمصاب بتلك العوارض أي عقابٍ أو لوْمٍ، إلا إذا أمكنه دفع ذلك الاضطراب ولم يفعل؛ لأن الاضطراب اللا إرادي هو ابتلاء مرضي ينبغي علاجه، ويُراعى في معالجته استقراء علامات الذكورة أو الأنوثة العضوية، فتتحدد هوية المريض بناءً على ذلك؛ ويجوز حينئذ إجراء العملية الجراحية وما تتطلّبه من علاج، بعد تحديد الهوية الجنسية لإبراز الهوية الحقيقية، وإزالة العناصر العضوية والآثار النفسية التي سببت اضطراب الهوية الجنسية للمريض؛ لأن القاعدة الشرعية تقول بـ”إزالة الضرر”، ولا شك أن هذا التشابه والالتباس “ضرر”، فإزالته “واجبة قدر الاستطاعة”، حسب قوله.

أما رأي اللجنة الدائمة للإفتاء، بالمملكة العربية السعودية، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز، فيقول إنه قد يشتبه أمر المولود، فلا يُدرى أذكر هو أم أنثى، وقد يظهر في بادئ الأمر أنثى وهو في الحقيقة ذكر، أو العكس؛ ويزول الإشكال في الغالب وتبدو الحقيقة واضحة عند البلوغ، فيُجري له الأطباء عملية جراحية تتناسب مع واقعه من ذكورة أو أنوثة، وقد لا يحتاج إلى شَق ولا جراحة، فما يقوم به الأطباء في مثل هذه الأحوال إنما هو “كَشْفٌ عن واقع حال المولود بما يجرونه من عمليات جراحية، لا تحويل ذكر إلى أنثى، ولا أنثى إلى ذكر”؛ وبهذا هم -أي الأطباء- لا يتدخلون في ما هو من شأن الله، إنما يكشفون للناس ما هو من خلق الله، حسب رأي اللجنة.

وقد أجابت لجنة الإفتاء بالمملكة عن سؤال جواز التحول الجنسي، بأن يعرض الشخص نفسه على أهل الخبرة من الأطباء الإخصائيين، فإذا تحققوا بأن الشخص ذكرٌ في مظهره وأنثى في واقع أمره، فيسلّم نفسه إلى الأطباء “ليكشفوا” حقيقته بإجراء العملية الجراحية، وليس ذلك تحويلاً له من ذكر إلى أنثى، وإنما هو إظهار لحقيقة أمره، وإزالة ما كان ببدنه وكوامن نفسه من لَبسٍ وغموض.

كذلك أفتى مفتي مصر، الدكتور شوقي علام، بأن المتحوّلين جنسياً “لا يخرجون عن الدين الإسلامي”، مشيراً في فتواه إلى أن مَن قرر أن يحول جنسه “قد يكون آثماً”، وهذا الإثم يمكن أن تمحوه التوبة، وقد لا يكون في الأصل إثماً إذا وُجد مبررٌ لعملية التحول الجنسي.

ويذهب علام إلى أن المتحول أو المتحولة جنسياً صَلاتهما صحيحة، ويمكنهما أن يؤديا فريضتَي الحج والعُمرة، ولا يقدَح هذا الفعل في الإسلام؛ لأنه لو كان بلا مبرر فهو ذنب تمحوه التوبة، ولو كان بمبرر فلا إثم أصلاً.

وختاماً، فإن معضلة التحول الجنسي واضطراب الهوية الجنسية والخنثى المُشكِل هي معضلة قديمة، وليست مُحدَثة في تاريخ الفقه الإسلامي؛ وقد تعامل معها علماء الفقه والشريعة الإسلامية بما تقتضيه أحكام الشرع من إزالة الضرر، وإظهار كوامن النفس دون لبس أو غموض، وإزالة الآثار العضوية والنفسية المسبِّبة لاضطراب الهوية الجنسية، ووضع الظواهر الطبية والميول القلبية في الاعتبار، ورفع الحَرَج واللوْم الاجتماعي عن الإنسان المُصاب بذلك الاضطراب.

وبناءً على ذلك، فلا ينبغي للمجتمع أن يَسِمَ شخصاً ما بشيء يؤذيه في هذا، ولا يخجل الآباء من تحديد هوية أبنائهم على الوجه الصحيح طبياً؛ فالدين ليس متعارضاً مع مصلحة الإنسان، كما أنه ليس ضد العلم في ما يخدم البشر، من باب “لا حياء في العلم”.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة