وجيه قانصو:

تفسير القرآن عملية تاريخية مستمرة

مركز حوار الثقافات

15-09-2024

الأكاديمي والمفكر اللبناني:

- القرآن يحتمل معاني كثيرة وليس لفظاً يدل على معنى محدد. 

- استمرار البحث في تفسير القرآن ليس بمعنى التكرار، وإنما لكشف إمكانات جديدة يوفرها النص.

- إذا طرحنا أسئلة جديدة على القرآن سيتولَّد معنى جديد، هو محصلة تفاعل المفسِّر والنص.

- غرضنا من الأسئلة الجديدة للنص القرآني هو البحث عن آفاق تستجيب لأنماط حياة مختلفة.

وجيه قانصو في سطور: 

- أكاديمي ومفكر لبناني، حاصل على دكتوراة في هندسة الروبوت والتحكم الذكي من جامعة "واين ستات" الأمريكية.

- حاصل على دكتوراة في الفلسفة من جامعة الروح القدس، الكسليك، لبنان.

- يعمل أستاذاً في الفلسفة بالجامعة اللبنانية، وله العديد من المقالات والمؤلفات، أبرزها: "التعددية الدينية: قراءة في المرتكزات المعرفية واللاهوتية"، و"أئمة أهل البيت والسياسة".

 عما سمَّاه أوجه القصور في تفسير وتأويل النصوص الدينية، يطرح الدكتور وجيه قانصو رؤيته، إلى جانب رؤاه في عدد من القضايا التي تمس تجديد الخطاب الديني، منها شخصية النبي محمد بين السياسة والنبوة، وتأثير كل منهما في الأخرى، مشيراً إلى أن النشاط التفسيري "تراكمي بطبيعته"؛ إذ إن كل جيل يقترح ويكشف عن مضمون ومعنى ورؤية معينة، ثم يأتي جيل آخر يستند إلى ما سبقه ويتقدم خطوة إلى الأمام.

وإلى نص الحوار: 

٭ هل من فرق بين شخصية النبي محمد السياسية، وشخصيته النبوية؟

الفصل بين شخصية النبي في الحياة أو الواقع، وبين شخصيته النبوية، هو فصل منهجي وليس فصلاً موضوعياً، فلا يوجد عندنا محمد السياسي أو الاقتصادي ومحمد النبي، فهما متداخلان، الفرق بينهما أن محمداً النبي هو الشخص الذي يطلق وحياً، عنده قدرة اتصال بالغيب، لديه نوع من معرفة غير بشرية يحصّلها من مصدر غيبي تتصل بمجريات الحياة الإنسانية، أما الشخصية السياسية أو الاقتصادية فيه فهي الشخصية التي تحتك بالواقع؛ فالنبي لم يكن فقط مبلّغاً أو منذراً، إنما عمد إلى تغيير معالم الواقع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وغيرها من مناحي الحياة.

وبالتالي، يمكن القول إنه يوجد دَوْرَان ومهمتان للنبي، لكن العقل الذي كان يفكر واحد، مهمته الأولى تلقي الوحي وتبليغه، ومهمته الثانية تغيير الواقع وخلق واقع جديد، ليس فقط في الجوانب الإيمانية أو العقائدية، إنما في الجوانب ‏الموضوعية، وتغيير كثير من مسائل تنظيم الحياة، بما فيها القيم والعادات ونمط الحياة؛ والمهمة الثانية، أيضاً، ليست بعيدة عن الوحي؛ إذ نجد أن الوحي لم يتكلم في أمور مجردة أو أمور عامة، إنما أمور تتصل بالتفاصيل الدقيقة جداً، بعضها يتصل بنمط حياة النبي الشخصية في علاقاته مع زوجاته مثلاً، وفي النقاش والجدال الذي يجري بينه وبين أهل مكة في المشاهد العسكرية والسياسية والحوارات والأسئلة التي توجَّه إليه.. إذاً، شخصية النبي محمد شخصية واحدة بعقل واحد بفكر واحد. 

٭ كيف يمكن تحليل شخصية النبي محمد؟

يمكننا تناولها تحليلياً من زاويتين، وهنا أتكلم منهجياً؛ من زاوية كيف استطاع المضمون الديني أن يغير واقع الحياة، يعني عملية توظيف الدين في مجالات الحياة، والزاوية المنهجية الأخرى دور الواقع في تعزيز الدين، يعني كلاهما كان يستفيد من الآخر، ومضمون التوحيد كان عقائدياً لكن له دلالة سياسية مثلاً في توحيد القبائل، فقد كان لكل قبيلة صنم، وبالتالي كانت التعددية الدينية مسيطرة، والتعددية تدعو إلى التفرُّق والصراع وسيادة نمط الغزوات في العلاقات المتبادلة، لكن عندما جرى توحيد هذه القبائل تحت إطار جديد -ليس هو الإطار القبلي- أمكن توحيد الجزيرة العربية؛ وبالتالي، كان لا بد من مبدأ عابر للقبلية، وهو فكرة التوحيد، التي تُعد الفكرة المركزية التي تُلغي الآلهة المتعددة، ولما تلغي الآلهة تلغي رموز الآلهة والأسس القيمية لأكثر معتقدات القبائل لكي تتجمع في منظومة ‏موحدة، فتركت أثراً مهماً في انتظام النظام العربي بعد النبي.

لقد استمرت الدعوة النبوية 13 عاماً في مكة، ولم تفلح في أشياء كثيرة على مستوى الواقع السياسي والاجتماعي؛ إذ لم يتجاوز أتباع النبي أكثر من 70 شخصية وقتها، وبالتالي، كان لا بد من خلق واقع جديد لكي تستطيع هذه الدعوة أن توفر الشروط الموضوعية للنبي في أن يبلغ رسالته وينشرها، فكانت مثلاً بيعة العقبة ليست بيعة دينية بقدر ما هي بيعة سياسية، مارس فيها النبي دور المصلح بين الأنصار الذين دعموه في تبليغ دعوته وحمايتها، ولقد عمد النبي إلى خلق واقع موضوعي جديد في المدينة بعد خروجه من مكة. 

٭ كيف يمكن الوصول إلى تفسير للنص القرآني يلائم العصر؟

مسار التعامل مع النص الديني لا يتوقف، ومجال الكشف أو ابتكار معانٍ جديدة يجب أن يكون عملية متواصلة؛ فالنشاط التفسيري تراكمي بطبيعته، كل جيل يقترح ويكشف عن مضمون ومعنى ورؤية معينة، ثم يأتي جيل آخر يستند إلى ما سبقه ويتقدم خطوة إلى الأمام.. إذاً، يجب أن ننظر إلى ‏عملية التفسير، ليس فقط في شروطها المنطقية التقنية الفنية الخالصة، وإنما ننظر إليها باعتبارها عملية تاريخية لا تتوقف، ونشاطاً إنسانياً مستمراً، هذه الاستمرارية ليست بمعنى التكرار أو التلخيص، إنما بمعنى السعي الدائم للكشف عن الإمكانات التي يوفرها النص. 

النص الديني، خصوصاً النص القرآني، الذي بالتأكيد له طبيعة رمزية ومجازية ونمط أسطوري في لغته، وهنا أقصد النمط الأسطوري بالمعنى الإيجابي لا السلبي، يدل على أنه ليس فقط يعني مضموناً علمياً، إنما يتصل بالوجود الإنساني نفسه، يعني مركزه هو الوجود والوعي الإنساني.

فقد نجد موضوعات تُستنفذ الأسئلة فيها، لكن السؤال المحوري في الخطاب القرآني لا تُستنفذ المعاني التي يمكن أن يحصلها الإنسان منه؛ لأن المعنى هنا ليس فقط المعنى الكامل في القرآن نفسه بغض النظر عن القارئ، لكن المعنى نابع أيضاً من السؤال والوجهة والغاية والمقصد الذي يتوجه به القارئ إلى النص.

 ٭ هل آليات التفسير الحالية قاصرة عن فهم مقاصد جديدة للنص القرآني؟

المعنى هو حصيلة التفاعل بين القارئ والنص، فإذا كررنا نفس الأسئلة القديمة سيتولد لدينا معانٍ مكررة، وإذا طرحنا أسئلة جديدة سيتولَّد معنى جديد؛ وبالتالي، المعنى الذي يُحصَّل من القرآن هو حصيلة التفاعل بين المفسِّر أو القارئ والنص؛ لذلك من الأفضل أن نصف هذه العملية ليس لجهة الصح والخطأ، أو لأنواع التفسير أو أدبيات التفسير التقليدية، وإنما نعتبر مدى جودة أو رداءة التفسير تكمن في تحديد إلى أي مدى القراءة والتفسير لديهما القدرة الاستكشافية الابتكارية على أن يُظهرا معاني غير مسبوقة؛ وهنا جدارة التفسير ليس في تأكيد المؤكد أو نفي ما قيل، يعني ‏ليس التفسير هو أن نؤكد صواب تفسير وضلال تفسير آخر، إنما في الجودة والبراعة في القدرة على الاستكشاف.

فالقرآن ليس لفظاً يدل على معنى محدد، إنما يحتمل معاني كثيرة، وأرى -وهذا خلاف معروف لتفكير التفسير برد المتشابه إلى المحكم- أن المتشابه ‏مساحة مستقلة عن المحكم، ومجرد أن نرد المتشابه إلى المحكم فإننا نعطل الإمكانات الكامنة في المتشابه؛ لأن المتشابه ليس الغرض منه خلق شبهة بالوعي الإنساني، إنما يدل على وجود مساحات لا متناهية، وعملية الكشف عنها لا تكون بالعودة فقط إلى الأدوات اللغوية والفنية والتقنية التي درج عليها علماء التفسير في عرضها، التي هي كما ذكرت، تضيّق هامش النص ومساحته، إنما في طرح الأسئلة. 

المعنى القرآني ليس فقط معنى يختزله النص، ‏إنما هو معنى متولد من السؤال والإشكالات التي تُثار، ونتيجة الحوار والجدل والمعارك بين القارئ والنص يوصل إلى معنى جديد.

وغرضنا من الأسئلة الجديدة دائماً البحث عن آفاق جديدة تستجيب لأنماط حياة جديدة ومختلفة، لذلك الإشكالية هنا منهجية وليست معرفية، بمعنى المطابقة للواقع وعدم المطابقة، الإشكالية هنا في ‏الطريقة التي نقرأ بها النص القرآني، لا يكفي فقط أن نقول بوجود معانٍ مرتبطة بظاهر النص، والمعنى القرآني هو المعنى الذي تحدده قواعد اللغة فقط؛ وبالتالي، يكون ظاهر النص أو ما تبينه أدوات القراءة اللغوية جزءاً بسيطاً جداً، ولعله الخطوة الأولى في قراءة النص.

لكن المعاني العميقة لا يمكن أن تُستكشف باللغة، إنما تُستكشف بالأسئلة، والتفسير لا يكون مجرد رد الألفاظ إلى ‏المرجعيات اللغوية، إنما يتعلق بنمط الوجود الإنساني، وهذا نمط لا يعود مجالاً لغوياً إنما يصبح مجالاً تأويلياً، ولذلك لا يعتبر التأويل صرفاً للمعنى عن معناه الظاهري، إنما أخذ النص إلى بدايات أبعد من المعنى اللغوي أو المعنى اللفظي أو المعنى الظاهري، التأويل هو الكشف عن المساحات التي لا يمكن أن تُكشف، لكن تكون بالصميم، ‏هي نشاط عقلي لكن لا بالمعنى المنطقي، إنما نشاط عقلي محمل بأسئلة وتطلعات لنمط وجود وحياة تستجيب للفرد وقد تستجيب أيضاً للمجتمع.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة