نظرية المؤامرة:

هل يتآمر العالم حقاً على المسلمين؟

مركز حوار الثقافات

02-09-2024

يَروج في أوساط المسلمين الإيمان بـ«نظرية المؤامرة»، حيث قال بها عديد من الأسماء المحسوبة على الإسلام والمسلمين، أو ما يعرف بالفكر الإسلامي، مثل: المفكر الإسلامي أنور الجندي، صاحب كتاب «المؤامرة على الإسلام»، الصادر في عام 1977م؛ والدكتور مصطفى محمود، في كتابه «المؤامرة الكبرى»، الصادر في عام 1993م؛ والكاتب بهاء الأمير، في كتابه «اليهود والماسون في ثورات العرب»، الصادر في عام 2014م، وغيرهم كُثُر.

وقد تبنى هذا الطرح عدد غير قليل من المؤسسات والكيانات المرموقة، فينشر موقع المركز الوطني للمعلومات، التابع لرئاسة الجمهورية اليمنية، موضوعاً بعنوان: «مساعي أعداء الأمة للنيل من المرأة مؤامرة خطيرة تستهدف المجتمعات المسلمة»؛ كما لا تنفك مؤسسات دينية رسمية عن الحديث علانية عن “أعداء الأمة” وما يدبرونه ضد «شعوب الأمة».. إلخ.

فهل فعلاً توجد مؤامرة على الإسلام والمسلمين؟

نظرية المؤامرة

في كتاب «عقول مُتشكِّكة: لماذا نُصدِّق نظريات المؤامرة»، لعالم النفس المتخصص في نظرية المؤامرة، روب براذرتون؛ وهو الكتاب الذي ترجمه إلى العربية هاني فتحي سليمان، يضع الكاتب، في بداية الفصل الثالث، المعنون بـ«ما معنى نظرية المؤامرة»، تعريفين أكاديميين لنظرية المؤامرة.

يقول براذرتون: «عند البحث عن تعريفٍ، فإن اللجوء إلى القواميس هو نقطة بداية جيدة». مؤكداً أن قاموس أكسفورد الإنجليزي قد أضاف مصطلحَ نظرية المؤامرة في عام 1997م: «النظرية التي تُفسِّر وقوع حدث معيَّن أو حدوث ظاهرةٍ ما بأنه ناتجٌ عن مؤامرة بين أطراف ذات مصلحة». أيضاً، يقدم قاموس ميريام وبستر الجامعي (الطبعة الحادية عشرة)، تفسيراً مشابهاً، غير أنه يُضيف إيماءة غامضة تُفيد بأنَّ المتورطين قد يكونون ذَوي نفوذ: «نظريةٌ تُفسِّر حدثاً ما أو مجموعةً من الظروف بأنها ناشئةٌ عن خطةٍ سريَّة يضعها متآمرون ذَوو نفوذ في كثير من الأحيان».

بناءً على هذا التحديد الأكاديمي، يُصبح التساؤل: هل الإسلام والمسلمون تُحاك ضدهم مؤامرة من أطراف ذات مصلحة؟ وهل أصحاب المصالح هؤلاء أصحاب نفوذ؟

الأمة المستهدفة

أشرنا في المقدمة إلى أن الحديث عن المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين، يتردد كثيراً على مستوى الشخصيات العامة والمؤسسات، فماذا يقول هؤلاء؟ وما مرتكزاتهم؟

أولاً، فتاوى ابن باز: في قسم مجموع الفتاوى بموقع الشيخ ابن باز، يسأل سائل يظهر من صيغة سؤاله اقتناعه التام بنظرية المؤامرة؛ إذ إنه يقر بوجودها فعلاً: “يحرص أعداء الله على التغلغل في ديار الإسلام بشتى الطرق”، ويتساءل: “فما المجهود الذي ترون بذله للوقوف أمام هذا التيار الذي يهدد المجتمعات الإسلامية؟”.

فجاءت إجابة الشيخ، وأقتبس منها نصاً: «هذا ليس بغريب من الدعاة إلى النصرانية أو اليهودية، أو غيرهما من ملل الكفر ومذاهب الهدم؛ لأن الله قد أخبرنا عن ذلك بقوله في محكم التنزيل: ﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]؛ وقوله سبحانه: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ﴾ [البقرة: 217]».

ولهذا، كما يُضيف الشيخ ابن باز: «فإنهم يبذلون كل ما يستطيعون للنفوذ في ديار الإسلام، ولهم طرقهم المختلفة في هذا، منها: التشكيك وزعزعة الأفكار، وهم دائبون على ذلك دون كلل أو ملل، تحركهم الكنيسة والحقد والبغضاء بالتوجيه والدفع والبذل».

ويظهر تبني السائل والمسؤول نظرية المؤامرة، والأهم أن عديداً من الأديان والملل غير المسلمة تتفق معاً على استهداف «بلاد الإسلام»، حسب قول ابن باز.

ثانياً، المؤامرة مستمرة: يقول الكاتب والمفكر الإسلامي، أنور الجندي، في كتابه «المؤامرة على الإسلام»، الصادر في عام 1977م، وتحت عنوان «أهداف المؤامرة على الإسلام»: “لا ريب أن الهدف من المؤامرة على الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، هي نفس هدف محاولة احتواء الإسلام في القرن الرابع الهجري: النيل من الإسلام وإسقاط دوله وإذابته في أتون الأممية”.

ويُضيف الجندي: “نجد اليوم من وراء المحاولة الجديدة «الاستعمار الغربي»، الذي يحمل خصومة الدين ومطمع السيطرة الاقتصادية، الذي يحمل في أعماقه كراهية ضخمة للإسلام الذي غزا أوروبا تحت لواء الدولة العثمانية، و«الصهيونية» الطامعة في العودة إلى السيطرة على فلسطين وبيت المقدس باسم الوعد الذي زيّفته التوراة، و«الشيوعية» التي تحاول السيطرة على الأمم باسم مقاومة الأديان وهدم الأخلاق”، حسب قوله.

وهنا، يظهر بوضوح اتفاق رأي أنور الجندي مع ابن باز، في وجود المؤامرة وتنوع القائمين عليها؛ فما الأساس الذي ينطلقان منه إلى إمكانية اتفاق هؤلاء الأضداد دينياً وسياسياً على الإسلام والمسلمين؟

ثالثاً، ملة الكفر واحدة: في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي»، وفي «باب لا يتوارث أهل ملتين»، يورِد عبد الرحمن المباركفوري: «قلنا: المراد هنا الإسلام والكفر، فإن الكفرة كلهم ملة واحدة عند مقابلتهم بالمسلمين، وإن كانوا أهل ملل في ما يعتقدون».

وفي نفس السياق، يضيف: «وقال الإمام محمد رحمه الله في موطئه: “لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، والكفر ملة واحدة يتوارثون به وإن اختلفت مللهم، فيرث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي”، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا».

إلا أن هذا الرأي في الواقع مختلف عليه؛ إذ يوجد فريق من الفقهاء يرون الأمر بشكل مختلف.

يرصد ذلك عطية سالم، في كتابه «شرح بلوغ المرام» بخصوص نفس المسألة، تحت عنوان «اختلاف العلماء في كون الكفر ملة واحدة»، فيوضح أن مقولة «ملة الكفر واحدة» خلافية، وأورد آراء وأسانيد الفريقين.

يقول سالم: «من أدلة كون الكفر مللاً شتى وجود اليهود والنصارى، وكل منهما يحارب الأخرى: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَيۡءٖ﴾ [البقرة: 113]، فكل منهما يحارب الآخر في ملته وعقيدته».

هكذا، يتضح وجود خلاف فقهي حول مُنطلق اتحاد فرقاء السياسة والعقيدة، على استهداف الإسلام والمسلمين، بخلاف كونه في أساسه معتمد على قياس لا يستقيم؛ ففي حين يُصنِّف أتباع دين ما كلَّ غير المؤمنين بدينهم بتصنيف واحد، لا يكون هذا ملزماً لكل هؤلاء الفرقاء في أمورهم الحياتية.

آراء مغايرة

بعد إيضاح اختلاف الفقهاء حول مُنطلق اتحاد الفرقاء ضد الإسلام، وتفنيد منطق الفكرة نفسه بشكل مجرد، يأتي الدور على نظرية المؤامرة نفسها والبحث عن وجود آراء مخالفة لوجودها من عدمه.

حول الوهْم في نظرية المؤامرة، وفي مستهل مقاله «المؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين»، كتب الإعلامي الأردني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والدراسات التحليلية، مالك العثامنة: «صباح الخير سيد ديفيد برونستين، نحن الموساد الإسرائيلي. نطلب منك ألا تتوجه غداً إلى مبنى التجارة العالمي، ولا داعي لإبلاغ أحد بذلك. سيوجد تفجير إرهابي ولا نريد أن تُصاب بأذى، نتمنى لك نهاراً طيّباً».

ثم يُضيف مؤكداً: «عليك أن تتخيل تلك المكالمة قد تكررت مع 4000 شخص، قبل أن ترتطم الطائرات “الإرهابية” بمباني البرجين والبنتاغون».

افتتاحية ساخرة للغاية قدمها الكاتب، للبرهنة على “حاجة هؤلاء إلى تصديق المؤامرة”، في إشارة إلى المؤمنين بالنظرية: “ابتلاع وهضم فكرة «إخفاء» 4000 إنسان على كل ما بينهم من اختلافات ورؤى وعلاقات وشخصيات، لكن يجمعهم عامل واحد مشترك: أنهم يهود. وهذا يكفي لتوحيدهم في الخيال العربي الإسلامي المؤامراتي كشخصية واحدة شريرة لا تتجزأ”.

ثم لخّص رؤيته لفهم شخصية المؤمنين بنظرية المؤامرة، قائلاً: «لن تستطيع أن تُقنع أصحاب فكرة المؤامرة بالحقائق، حتى لو حملت لهم الأرقام والوثائق، فالفكرة ليست بالمؤامرة وحدها، بل بالتصور الذي يقوم عليه العالم كله لدى هؤلاء، وعند أصحاب نظرية المؤامرة على الإسلام والمسلمين، فإن العالم قائم على مسلمين في حالة وردية في الماضي وضحية مضطهدة في الحاضر وكفار يتآمرون على الإسلام ليلاً ونهاراً».

مع توضيح رؤية هؤلاء إلى العالم من حولهم: «الغرب الكافر كله (وحدة واحدة لا تعددية فيها)، مشغول خلف الأبواب المغلقة بالتخطيط لهزيمة الإسلام والمسلمين»، هذا حسب رؤيته.

تعددت الأصوات الرافضة لفكرة المؤامرة الكوكبية ضد الإسلام، وفنَّد كثير من الكُتاب والمثقفين هذه الفكرة، من أمثال المغربي أحمد عصيد، والموريتاني محمد ولد امخيطير.. وغيرهما.

وختاماً، لا يمكن إنكار كم ما تقدمه نظرية المؤامرة للمؤمنين بها من راحة فكرية، خصوصاً حين ترتبط بالعقيدة ويتبناها رجال دين، بقامة ابن باز أو شعبية محمد حسان، ويدعمان النظرية بتأويلاتهما لنصوص قرآنية، كما أسلفنا مثل الآية [البقرة: 120]، وجزء من الآية [البقرة: 217] أيضاً.

لكن، كذلك، من المفيد والضروري التفكير في ما يقدمه كلا الفريقين، المؤيد لوجود مؤامرة والرافض لهذه الفكرة؛ فبالعودة مثلاً للاستشهاد القرآني ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾، يظهر أنه جزء من آية وليس بآية كاملة؛ إذ يقول النص بالكامل: ﴿يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [البقرة: 217].

فيُفهم من السياق، أن الله هنا يحدث المسلمين الأوائل عن صراعهم مع المشركين من القرشيين، وليس عن غير المسلمين بالجُملة، وبالإطلاق زماناً ومكاناً؛ وهو، بالتالي، قياس غير منضبط.

وهو ما يقود إلى تساؤل هام: هل نظرية المؤامرة أمر مستحدث على المسلمين، كما يظهر من أسماء الكتاب والشيوخ المتبنين لها، أم إن الأمر لصيق بالإسلام منذ نشأته أو عصوره الأولى؟ وهو سؤال يحتاج إلى أن تُفرد له مساحة خاصة للإجابة عنه، وبخاصة أن أحد الكتب الحديثة التي يتبنى كاتبها نظرية المؤامرة، يقدم رؤية تأسيسية لهذه النظرية في التاريخ الإسلامي؛ حيث يحمل الكتاب، الصادر في عام 2013م، للكاتب المصري منصور عبد الحكيم، عنواناً ذا دلالة «ابن سبأ.. مؤسس الماسونية في الإسلام».

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة