فاطمة المرنيسي :

النسوية الإسلامية وتفكيك الإشكاليات التراثية

مركز حوار الثقافات

14-09-2024

انطلاقاً من القرآن ومبادئه الرئيسية، كالمساواة والعدل وحرية الاختيار للبشر جميعاً، رجالاً ونساءً، لفتت المفكرة وعالمة الاجتماع المغربية، فاطمة المرنيسي (1940-2015م)، التي درست في جامعة السوربون وحصلت على الدكتوراة من جامعة برانديز بالولايات المتحدة، في مشروعها النسوي لتجديد التراث الديني، إلى مقدار الحرية التي كانت تتمتع بها المرأة في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

المفكرة المغربية وإحدى رموز النسوية الإسلامية، التي شغلت منصب أستاذ بجامعة محمد الخامس بالمغرب، ذهبت في مشروعها التجديدي إلى أن التراث الإسلامي بعد وفاة النبي "انقلب على المبادئ القرآنية والإسلامية التي طبقها الرسول الخاصة بالمرأة، بسبب النظرة الذكورية السائدة والممتدة من المجتمع القبلي الجاهلي، الذي لن يمكن التخلص منه إلا بالعودة إلى روح الإسلام وجوهر القرآن".

وعبّرت المرنيسي عن مشروعها من خلال مؤلفاتها باللغتين الإنجليزية والفرنسية التي تُرجمت إلى العربية مثل: "ما وراء الحجاب"، و"الحريم السياسي"، و"شهرزاد ترحل إلى الغرب"، و"أحلام النساء الحريم"، و"على أجنحة الحلم"، و"الخوف من الحداثة"، وغيرها.

القراءة النسوية 

قدَّمت "المرنيسي" اجتهادها في قراءة التراث والنصوص الدينية قراءة نسوية، عبر استخدام المنهج التاريخي الذي ركزت فيه على النصوص المتعلقة بالمرأة المسلمة، واجتهدت في فهم وتأويل النص الديني من وجهة نظر نسوية تضع في اعتبارها إشكاليات المرأة في التراث الديني الإسلامي.

ورأت أن النص الديني "مليء بالدلالات والاحتمالات، ويمكن قراءته وفهمه بشكل مغاير لما هو سائد في التراث"، وقسّمته إلى نَصين متوازيَيْن هما: النص الأول: هو النص الظاهر المعلن الذي يحيل إلى النص الثاني؛ والنص الثاني: هو النص الباطن المسكوت عنه في النصوص الدينية. فالنص الظاهري يحيل عبر معانيه ودلالته اللفظية بمعانيه المزدوجة إلى النص الباطني المسكوت عنه، حسب قولها.

وبالتالي، فإن النصوص الدينية وُظفت من الرجال لتأكيد الامتيازات الذكورية لفرض سيطرتها سياسياً وجنسياً، وهو توظيف ظهر بعد عهد النبوة ولا يمكن نسبه إليه، حسب المرنيسي، لا سيما وأنه نادى عبر رسالته بالمساواة بين النوعين، الرجال والنساء، في المسألة الإيمانية.

بين الإسلام الذي كان يطبقه النبي مع المرأة المسلمة بشكل عام وزوجاته بشكل خاص، وبين ما حدث بعد ذلك في فترات وُظفت فيها النصوص الدينية لمنع ما أباحه القرآن للمرأة، تَعارضٌ كبير، حسب المرنيسي، فقد كان النبي يأخذ بآراء زوجاته ويسمح لهن بالإدلاء بدلوهن في الشؤون الدينية، وهو الأمر الذي تقلص حتى انتهى تماماً في التراث الإسلامي، حسب قولها.

السيطرة الذكورية

ذهبت "المرنيسي" إلى أن فرض السيطرة الذكورية على المرأة هو عكس ما نادى به القرآن من تأكيد للمساواة بين الجنسين، وقد تسبب فيه بعض الأحاديث المنسوبة للنبي بعد وفاته، لا سيما وأن بعض القائمين على الخطاب الديني نشروا أحاديث تؤكد شرعية الامتيازات الذكورية، وفقاً للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة وقتها، حسب المرنيسي.

وضربت مثالاً بالأحاديث التي استُخدمت للتقليل من المرأة وحقوقها، كالحديث الذي ورد في البخاري ونصه: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً"، فترى أن هذا الحديث ظهر عقب هزيمة السيدة عائشة في معركة الجمل، وجاءت روايته لأول مرة عن الصحابي أبي بكرة نفيع بن الحارث، بعد نحو "25" عاماً من وفاة الرسول؛ إذ كان راوي الحديث منحازاً لجانب علي بن أبي طالب في موقعة الجمل، كما أن أبا بكرة جلده عمر بن الخطاب في فترة خلافته وأسقط شهادته في واقعة رمي المغيرة بن شعبة بالزنا، كما جاء في "مسند الفاروق" لابن كثير، و"المُغني" لابن قدامة، و"المصنف" لابن عبد الرزاق، و"إعلام الموقعين" لابن القيم، "ما يشكك في صحة الحديث المروي عنه"، حسب قولها.

وأوضحت "المرنيسي" أنه على الرغم من مساحات الحرية التي أعطاها القرآن للمرأة، وطبّقها النبي، فإن صوتاً ذكورياً كان في المدينة يقاوم حرية المرأة ويرى أن تتوقف التشريعات الإسلامية على الحياة العامة والعبادات والحياة الروحية، ولا يجب أن تقترب من الحياة الخاصة، التي ما زالت تسيطر عليها عادات قبلية جاهلية آنذاك، حسب قولها.

قدسية القرآن

اعتمدت "المرنيسي" في تأويلها للنصوص الدينية على التعامل مع النص الديني، كلٌّ على حدة، حتى تتمكن من ممارسة تحليلها التاريخي والاجتماعي للنص وتتمكن من فهمه وقراءته، إضافةً إلى اعتمادها على أسباب نزول الآيات، واستدعت الأحداث التاريخية المصاحبة للنص الديني، وقسمت النص الديني وفق قدسيته، كالتالي:

أولاً، القرآن: حيث ذهبت إلى قدسيته الكاملة، واعتمدت عليه بوصفه مصدراً رئيسياً لا يقبل التشكيك، وحاولت فهمه فهماً تاريخياً اجتماعياً.

ثانياً، الحديث: تعاملت معه بنظرة تشكُّك، سببها الظروف التاريخية في تدوينه وكتابته وابتعاد فترة التدوين عن عهد النبي.

الخلافة والسياسة

رأت "المرنيسي" أن النظرة التراثية لمنصب الخلافة، خالفت مبدأ المساواة القرآنية بين الرجل والمرأة؛ فأهم شرطين في منصب الخلافة أن يكون الخليفة "عربياً" وهو الشرط الذي تسبب الخلاف فيه إلى عديد من الحروب في التاريخ الإسلامي، والشرط الثاني هو شرط الذكورية، الذي لم يعترض عليه أحد في التراث والتاريخ الإسلاميين، ولم يهتم أحد بنقده أو رده إلى المساواة القرآنية بين الرجل والمرأة، حسب قولها.

تماسُك وجهة النظر الذكورية في المناصب السياسية، بما فيها منصب الخليفة، وتماسُكها تاريخياً وتراثياً رغم مخالفته المساواة القرآنية، سببه حسب "المرنيسي" انتشار الخطاب السلفي الأصولي، ومعارضته أي محاولة نسائية للمساواة في المناصب السياسية، الذي يندد ويهاجم بشدة تولي أي امرأة منصباً في الدولة، مستخدمين خطاباً دينياً يشوه تلك الحالة.

مفاهيم نسوية

اشتقت "المرنيسي" مفاهيم نسوية حاولت من خلالها شرح القضايا الخاصة بالنساء في التراث الإسلامي، ومنها:

1- مفهوم الحدود: الذي يمثل لها منظومة متكاملة تتضمن الديني والاجتماعي والسياسي؛ إذ استغله بعض مَن يمتلكون السلطة الدينية، لفرض وجهة نظرهم الذكورية عبر وسائل مثل التخويف والإرهاب، حسب قولها.

2- مفهوم الحريم: وهو مفهوم استخدمته "المرنيسي" في تقسيم المكان إلى قسمين: داخلي أنثوي يضم النساء اللائي يستترن فيه، ويرتبط بكون النساء حراماً يجب تقييدهن في مكان منعزل، وآخر ذكوري خارجي مسموح به للرجال فقط دون النساء، فهو مُحرّم عليهن.

وختاماً، في مشروعها الفكري النسوي، ذهبت "المرنيسي" إلى أهمية العودة إلى النص القرآني، وإعادة قراءته تاريخياً لفك الإشكاليات التراثية التي لحقت به بعد عهد النبي، لا سيما في ما يخص المرأة المسلمة، مع أهمية التزام المبادئ العامة التي أرساها القرآن، مثل المساواة والعدل والحرية بشكل عام، وبين الرجال والنساء بشكل خاص، وقد طبَّقها النبي في حياته، كما واجهت النظرة الذكورية التي سادت عقب وفاة النبي، وأعطت الرجال مزايا تفوق النساء، وهي لا علاقة لها بجوهر الإسلام ولا بما فعله النبي في المدينة، واجتهدت في إيجاد تأصيل شرعي لأهمية دور المرأة في المجال العام.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة