التعددية والاختلاف في الإسلام سُنَّة إلهية (حوار)
"التعددية في الإسلام حقيقة مستمرة إلى يوم القيامة.."؛ هكذا تفتتح الأستاذة عفاف خليل، الباحثة اللبنانية في إدارة التنوع المجتمعي، حوارها حول قضية التعددية الدينية في الإسلام، كما تشير إلى ضرورة إعادة قراءة آيات السيف والجزية باعتدال ووسطية، وكذلك تتطرق إلى رؤيتها حول إيجاد أثر واقعي لمصطلح المواطنة الحاضنة للتنوع في عالمنا العربي.
وإلى نص الحوار:
٭ كيف يتعامل الإسلام مع مفهوم التعددية الدينية؟
التعددية الدينية في الإسلام والقرآن ليست واقعاً تاريخياً انتهى وجوده ببعثة النبي، بل هي حقيقة مستمرّة إلى يوم القيامة؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى، في سورة هود: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، ويقول سبحانه، في سورة النحل: ﴿وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 93]، ويقول تعالى، في سورة يونس: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعاًۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
والآيات التي تكرّس التعددية الدينية باعتبارها إرادة ربّانية، وتشدد على عدم إمكانية الإكراه في الدين كثيرة؛ فالإيمان عند المسلم يرتبط بالاقتناع الحرّ والتصديق ولا يمكن أن يكون قسرياً أو ترهيبياً.
إن دستور العلاقة مع غير المسلمين يتجلّى بنظرنا في صورة الممتحنة؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٭ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9].
البر والقسط تجاه غير المسلمين مطلوب وواجب على كلّ مسلم، ولا يستثنى من ذلك إلا الذين يقاتلون المسلمين في الدين، ويخرجونهم من بلادهم وأراضيهم، أو يعاونون على إخراجهم.
قد يقول البعض إن النهي عن غير المسلمين ورد في القرآن الكريم في أكثر من آية، وذلك صحيح ولكننا مؤمنون أنه جاء عبر مصطلح التولي أو الموالاة الذي يعني في القرآن الكريم النصرة والمؤازرة في لحظات الصراع والنزاع؛ ولم يقصد منه تأسيس عداوة دائمة بين المسلمين وغير المسلمين، أو جعلهم في حالة حرب مستمرة؛ وبذلك فإن غير المسلم الذي لا يحارب المسلمين ولا يعتدي عليهم، تكون مودته واجبة ومعاملته الحسنة فريضة دينية، وذلك هو شأن الزوجة الكتابية وأهلها على سبيل المثال، وذلك هو حال الجار الذي أوصى به رسول الله.
٭ كيف نصل، عبر القرآن، إلى الآخر بمفهوم الإسلام الوسطي المتسامح؟
الإسلام في جوهره دين يقبل الآخر ويقول بالتعددية، بل وبالحرية الدينية، وأي قراءة مخالفة لذلك تتعارض مع الآيات الكريمة السابق ذكرها، وكثير من الآيات الأخرى، التي تظهر أن الاختلاف على جميع أشكاله، وضمنه الاختلاف الديني، هو سنة الله في خلقه، فالآيات واضحة ولا يمكن دحضها بأي حجة.
نعلم أن كثيراً من المسلمين، الذين يتشدّدون في رفض التعدّدية الدينية، ينطلقون في ذلك من مفهوم "النسخ" في القرآن، ونختلف معهم في ذلك شديد الاختلاف؛ فالإسلام لم يؤسس لحرب مستمرّة مع الآخر المختلف دينياً عبر آيات محددة نزلت في ظرف محدد، ولو أراد الله ذلك لما أنزل كلّ الآيات التي جعل فيها من التعددية الدينية مشيئة الله على أرضه.
إذاً، نحن في حاجة إلى أن ننشر بصورة أوسع القراءات والتفاسير والأحاديث الصريحة عن التعددية، وهي الآيات والأحاديث التي لا تحتمل التأويل، ونحتاج إلى الترويج الإعلامي بصورة أفضل للمفكرين الإسلاميين الذين كرّسوا أوقاتهم لتوعية المجتمع الإسلامي بالتأويلات السليمة اللا متشددة، ولا بدّ من إدراك أن الفكر المتطرّف يرفض حتى المسلم المعتدل.
لذلك، لا بدّ من العمل على مواجهة هذا الفكر عبر نشر الوعي والحجج المنطقية والآيات التي تقول بالتعددية، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت المحرّك الأوّل للفكر.
٭ هل في تراثنا الديني نصوص تتعارض مع التعددية الدينية؟ وكيف يؤثر ذلك في تعايش المسلمين مع غيرهم؟
المسلم الذي يرفض مفهوم التعددية ينطلق من فهمه الخاص لبعض الآيات والأحاديث التي جاءت في معرض أحداث محددة، فيعمم حكماً معيناً قد يكون نزل في واقعة معينة وفي زمان ومكان محددين، على أحداث ووقائع وظروف أخرى، بل ولتبرير المواقف السلبية تجاه الآخر المختلف، هذا الفهم يتماشى مع منطق الرفض الذي يقولون به ويعملون على نشره.
أما نحن فنؤمن بأن الآيات التي تقول بالتعدّدية لم تُنسخ ولم تُمحَ، وهي ثابتة في القرآن وظاهرة في خلق الله، ولا يستطيع أحد إنكارها؛ كما أننا نؤمن بأنه لا يوجد مكان للغل والتطرّف في الإسلام ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة: 143].
وكما أن الله دعا أهل الكتاب إلى عدم المغالاة في الدين، فنحن المسلمين نؤمن بتلك الدعوة أيضاً.
٭ آيات السيف والجزية نقطة إشكالية، يستند إليها كثير من المتشددين.. كيف نتعامل معها؟
يجب، أولاً، فهم ما الجزية التي فرضها الإسلام على أهل الذمة، الذمة هي العهد والأمان الذي يقوم على الاعتراف بحق غير المسلمين في البقاء على دينهم، وتمتعهم بأمان الجماعة المسلمة الحاكمة، بشرط قبول أحكام الإسلام في غير شؤونهم الدينية؛ أما الجزية المفروضة على أهل الذمة، فهي بديل عن عدم اشتراك أهل الذمة في الدفاع عن أرض الإسلام. أما آية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [التوبة: 5]، فهي الآية التي يستند إليها المتشددون دينياً لتبرير قتال غير المسلمين.
ونحن لا نقول أبداً بالتغلب على هذه الآيات التي يؤمن بها المسلمون، ولكن لا بدّ مجدداً من إعادة قراءة هذه الآيات باعتدال يدعو إليه الإسلام، وعدم المغالاة في منحها شمولية زمانية ومكانية.
في التاريخ الإسلامي كثير من الأمثلة عن كيفية تعامل الحكام المسلمين بكلّ رحمة مع غير المسلمين في المجتمعات التي حكموها، حتى عندما كانت الجزية مفروضة، لذلك من واجبنا أيضاً نشر هذه الثقافة الإسلامية ليحسن التعامل مع غير المسلمين، وترويج هذه النماذج والتجارب الوسطية والمعتدلة في قراءة وتفسير وتطبيق النصوص الدينية.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
لقاءات خاصة
عامر الحافي: بعض المذاهب الإسلامية لم تشتهر رغم أنها أصوب من الرائج (الجزء الأول)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.