عبد الله بن بيه:

تجديد الفقه وإعادة النظر في الأصول

مركز حوار الثقافات

02-09-2024

طرق الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، المولود في موريتانيا عام 1935م، مجال التجديد الديني من أكثر أبوابه عملية وارتباطاً بالحياة، وهو التجديد الفقهي، فأوجد مشروعاً تجديدياً لعلم الفقه وأصوله، حاول فيه إعادة النظر في المفاهيم الفقهية الثابتة، لإيجاد مفاهيم فقهية جديدة تساير متطلبات العصر الحالي والمستجدات العلمية.

واستطاع “بن بيه” تطبيق مشروعه الفقهي في فتاواه على المسلمين عامة، والأقلية المسلمة في بلاد غير مسلمة لها ظروف خاصة؛ فأصدر “بن بيه”، الذي شغل مناصب دينية كبرى في بلده، موريتانيا، وفي العالم الإسلامي، فتاوى متطورة تناسب العصر الحديث؛ كما أصدر عديداً من المؤلفات والأبحاث والدراسات الدينية ضمن مشروعه التجديدي للفقه في بعض مؤلفاته، ومنها: “إشارات تجديدية في حقول الأصول”، و”علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه”، و”صناعة الفتوى وفقه الأقليات”، و”تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع”.. وغيرها؛ إضافة إلى عديد من المؤلفات التي تناولت جوانب الإسلام الأخرى.

التجديد والاجتهاد

التجديد الديني ضرورة عند “بن بيه”، والاجتهاد أداة للتجديد وجزء منه، ويضع سمات للتجديد الديني، مثل التسامح والتحاور والتعامل مع ما استجد من الأمور الحياتية، والتيسير على المسلمين في حياتهم، ورفع المشقة عنهم.

1- التجديد في المفاهيم الفقهية: في تعريفه التجديد الفقهي، يتعرض “بن بيه” للمفاهيم الفقهية الثابتة، بهدف إبداع وتأسيس مفاهيم فقهية جديدة، تتناسب واحتياجات العصر، فيورد في كتابه “آثار تجديدية في حقول الأصول”، تعريفه للتجديد الفقهي بأنه “تحريك المفاهيم التي تشكل المنظومة الأصولية، وتمثل الصورة المحددة لها لإبداع مفهوم جديد”، حسب قوله.

2- حاجة ملحة لفتح باب الاجتهاد: يرى “بن بيه” الحاجة الملحة لفتح باب الاجتهاد لتحقيق التجديد الفقهي، وذلك بسبب ظهور حوادث جديدة على المجتمع الإسلامي لم تُعرف من قبل، فيقول: “الأمة في حاجة إلى علماء ومجتهدين مستبصرين ليقدموا فقهاً للعصر، بعيداً عن العُسْر يدعون فيه إلى اليسر بضوابطه”.

والاجتهاد عند “بن بيه” طريق التجديد وبحث في الأصول، و”تلمُّس أدلة جديدة في المسألة”، وفقاً لقوله.

3- استيعاب الواقع والمستجدات العلمية: يدعو بن بيه إلى أهمية الاستيعاب الشرعي للواقع والمستجدات العلمية الحديثة، على أن يكون هذا الاستيعاب متفهماً طبيعة المستجدات العلمية، دون تضييق على حياة الناس، ودون إدخال مشقة على تفاصيلهم المعيشية، وذلك حتى يتمكن الفقه بأصوله ومنهجه من مواكبة الحياة بمستجداتها لإيجاد حلول مناسبة لها، حسب قوله.

دوافع التجديد

1- إعادة النظر في أحكام الفقه: الدافع وراء التجديد الفقهي لتلمس أدلة جديدة، عند “بن بيه”، هو الواقع المتغير الذي يعيشه العالم الإسلامي، الذي يبحث عن أجوبة عملية في قضايا تمسه في شتى المجالات والميادين، التي يعتبر معظمها مستحدثاً.

كما أن الأحكام الفقهية التقليدية، التي بنى عليها الفقهاء أحكامهم، تناسب زمانهم وأعرافهم الموجودة وقتها؛ لذا فإنه من المهم إعادة النظر في تلك الأحكام وتجديدها لتتوافق مع الأعراف الجديدة، حتى تحقق مصلحة الناس حالياً، حسب قوله.

2- المجدد النافع الخبير: يضع “بن بيه” لشخص المجدد الفقهي شروطاً، من أهمها: “أن يَعُم نفعه أهل زمانه”، وأن يكون “خبيراً بواقع الأمة، عارفاً بعللها”، وهما شرطان يرى “بن بيه” أنهما لازمان لأي محاولة تجديد، حتى تُعرف الاحتياجات الجديدة التي طرأت على العالم الإسلامي، الأمر الذي ينتج عنه فقه يتناسب مع الظروف والأحداث الراهنة الجديدة دون التقيُّد بالفقه القديم النافع في زمنه، حسب قوله.

تطبيقات فقهية

1- طبَّق “بن بيه” نظرته التجديدية في الفقه على عديد من المسائل الشائكة، التي لم يأخذ فيها ما يُسمى “مذهب الجمهور”؛ فأباح بقاء رابط الزواج لمن أسلمت وزوجها على دين آخر؛ فيرى أن اعتناقها الإسلام لا يفسخ عقد الزواج، بل ويفضل أن يبقى الزواج رغم أن الزوج على دين غير الإسلام، حسبما يرى.

واستند “بن بيه” في فتواه، التي لا يأخذ فيها بما ذهب إليه كثير من الفقهاء، إلى أدلة من القرآن، مثل:

– قوله سبحانه وتعالى: ﴿… فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ…﴾ [الممتحنة: 10]؛ إذ يرى أن الآية تتعلق بحالة خاصة من المسلمات اللائي هربن من مكة التي كان يعادي أهلها الإسلام، فوقف الحكم على الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية للآية.

– كما استند إلى قول علي بن أبي طالب الذي يذهب فيه إلى “بقاء المرأة التي أسلمت على ذمة زوجها غير المسلم من أهل الكتاب”.

2- من نماذج التجديد الفقهي الأخرى لدى “بن بيه” إجازته لمسلمي البلاد الإسكندنافية بأن يجمعوا صلاتي المغرب والعشاء، لطول النهار وقصر الليل الشديد، فأجاز لهم أن “يصلوا العشاء مع المغرب”، أو “يجعلوا فرصة بين المغرب وبين الفجر يصلون فيها العشاء”، وإذا وجدوا مشقَّة جاز لهم الجمع، فهو هنا يبيح الجمع للحاضر غير المسافر، واستند “بن بيه” في فتواه تلك إلى:

– جمع الرسول بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر.

– إجازة أحمد بن حنبل للمرأة المُرضع أن تجمع الصلاة إذ شق عليها كل صلاة بمفردها، فربط بين جواز جمع الصلوات إذا وجدت مشقة.

3- وقال “بن بيه” بإجازة الرمي قبل زوال الشمس في الحج، الأمر الذي لم يُقره معظم الفقهاء، واستند في إجازته تلك إلى مروية:

– حينما أخبر حاج النبي بأنه نحر قبل أن يرمي، فأمره النبي بأن يرمي ولا حرج، فاعتبر ذلك أن رمي الجمرات من سُنن الحج.

– واستند إلى ما ثبت عن ابن عباس أنه رمى الجمرات عند الظهيرة قبل أن تزول الشمس.

ومقصد “بن بيه” في تلك الفتوى مقصد شرعي هام هو المحافظة على النفس، مستنداً إلى قول الله تعالى: ﴿… وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا﴾ [النساء: 29]، وذلك لما قد يسببه التزاحم بين الحجاج في رمي الجمرات، ما قد يتسبب في إصابات جسدية.

وختاماً، ذهب “بن بيه” في مشروعه التحديثي إلى أن المفاهيم والأحكام الفقهية الثابتة ارتبطت بزمانها ومكانها وظروفها الاجتماعية آنذاك، وتغيرت بفعل التغير الزماني والمكاني والاجتماعي والتطور العلمي. وفي مشروعه التجديدي للفقه وأصوله، هدف “بن بيه” إلى إيجاد منهجية حديثة لاستنباط الأحكام الشرعية، تتماشى مع الاحتياجات الحاصلة والجديدة لحياة المسلمين، عامة، راعى فيها قواعد عقلية وشرعية هامة، مثل: الحفاظ على النفس وحق الحياة، وتحقيق المصلحة العامة والفردية للمسلمين، والتيسير عليهم دون إغراقهم في مشقات وصعاب.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة