عبد الله العروي:

المنهج التاريخاني و"خماسية" مفاهيم التجديد

مركز حوار الثقافات

02-09-2024

الوصول إلى الحداثة العربية، هو أساس المشروع الفكري للفيلسوف والمؤرخ والمفكر المغربي عبد الله العروي، المولود عام 1933م، والحاصل على الدكتوراه من السوربون بفرنسا، عن رسالته: “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية”؛ والذي شغل منصب أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، بالعاصمة المغربية الرباط، إلى أن تفرغ للكتابة والتأليف منذ عام 2000م.

يتبنَّى “العروي” المنهج التاريخي الفلسفي، في دراسة ونقد العقل العربي والتراث الإسلامي، ويذهب إلى ما سمّاه “ضرورة المقاطعة الفكرية للتراث العربي”، وذلك بسبب “عدم صلاحيته”؛ ليذهب إلى أهمية الاعتماد على الحضارة الغربية في الانتقال إلى الحداثة، عبر استخدام المقولات الفكرية التي بُنيت عليها الحضارة الغربية، الأمر الذي أورده في مؤلفاته التي صدرت باللغتين العربية والفرنسية، ومنها: “الأيديولوجيا العربية المعاصرة”، و”العرب والفكر التاريخي”، و”مفهوم الأيديولوجيا”، و”مفهوم الحرية”، و”مفهوم الدولة”، و”مفهوم العقل”، و”مفهوم التاريخ”، و”ثقافتنا في منظور التاريخ”، و”بين الفلسفة والتاريخ”.. وغيرها من الدراسات والأبحاث والمقالات المتعددة.

النقد العقلي

اتجه “العروي” إلى نقد العقل التراثي، بشقَّيه الديني والتاريخي، في كتابه “مفهوم العقل”، بوصفه أساساً ومنطلقاً لمشروعه الحداثي.

1- انتهاء صلاحية التراث: يتعامل “العروي” مع التراث بشكل نقدي يسعى من خلاله إلى تفكيكه، وذلك ليصل إلى معرفة “حدود الصلاحية التراثية” ومداها، ليصل إلى مفهومه التجديدي عن “ضرورة مقاطعة التراث العربي”؛ ولا يهدف بانتقاده التراث والعقل العربي إلى توضيح عيوبه وأخطائه، بل ليوضح أن صلاحية النسق الفكري التراثي، والتراث ذاته، “انتهت واقعياً وتاريخياً”، حسب قوله.

2- نقد التراث بأدوات مغايرة: يستخدم “العروي” في نقده التراث أدوات مغايرة لا تخضع له وخارجة عنه؛ إذ يرى أن التراث بكل ما فيه “لم يستطع أن يصل إلى ما وصفه بكمال المفاهيم”، فلا توجد فيه مفاهيم مثل الحرية والأيديولوجيا والتاريخ والعقل؛ لذلك فإنه ينظر إلى التراث باستخدام أدوات أطلق عليها “مكتسبات الفلسفة الغربية الحديثة”، التي يرى أنها “استطاعت أن تصل إلى كمال المفهوم”، وفق قوله.

3- أسبقية المعقول ودونية العقل: في نقده العقل العربي، يذهب “العروي” إلى أن العلوم الإسلامية دون استثناء تأسست على أسبقية المعقول للعقل، ما يعطي العقل دونية معرفية، وحضور الفلسفة والمنطق الأرسطي في الثقافة الإسلامية لا يعني أنها ثقافة عقل، موضحاً أن الثقافة الإسلامية تستخدم العقل بطريقة لا تجعله يلتفت إلى الطبيعة من حوله وينظر إليها، وحتى إن ظهر الاستقراء باعتباره أداة تراثية، فإنها أداة ناقصة تُطبَّق في الثقافة العربية على النصوص دون الحقائق المادية، ما حال بين العقل العربي وبين النظر إلى الطبيعة ومعطياتها، حسب قوله.

4- توجيه العقل إلى المفاهيم الغربية: يسعى “العروي” في نقده العقل العربي، ومقاطعته بسبب ما سمّاه “عدم صلاحيته”، إلى توجيه العقل نحو الاستعانة بالحضارة الغربية وإنتاجها الفلسفي والحداثي والمعرفي، ليكون منطلقاً للتجديد التراثي والحداثة العربية، مع مراعاة الشروط والظروف التاريخية، وذلك “حتى يمكن أن يستأنف العقل العربي مسيرته التاريخية نحو الحداثة، ويدخل ضمن السياق التاريخي”، وفق قوله.

المنهج التاريخاني

المشروع التجديدي عند “العروي” يعتمد على مفاهيم، ضمَّنها في خمسة كتب هامة، هي خماسية المفاهيم: “العقل والتاريخ والأيديولوجيا والحرية والدولة”، وهي عنده مفاهيم أساسية لتحقيق النهضة، وذلك عبر منهج تاريخاني فلسفي.

– التاريخانية منطلق للحداثة العربية: دعا “العروي” إلى المنهج التاريخاني باعتباره منطلقاً للحداثة العربية، ويُعرِّف “التاريخانية” التي يدعو إليها في كتابه “مفهوم التاريخ” بأنها “موقف أخلاقي يرى في التاريخ مجموع الوقائع الإنسانيّة، مخبراً للأخلاق وبالتالي للسياسة.. ولا يُعنى التاريخاني بالحقيقة بقدر ما يُعنى بالسلوك… والتاريخانية معرفة عمليّة أوّلاً وأخيراً”، حسب قوله.

– إقالة العقل العربي من عثرته التاريخية: الأخذ بالمنهاج التاريخاني سيكون سبباً في إقالة العقل العربي من عثرته الفكرية والتاريخية، حسب “الشرفي”، ويتيح القدرة له على النهضة بعد التراجع التاريخي والحضاري، الأمر الذي يستلزم الأخذ بقبول حداثة الحضارة الغربية، بمعطياتها التاريخي، التي من الممكن أن توفر نهضة عقلية لا يسمح بها استخدام أدواته وآلياته التي كانت سبب التراجع الحضاري.

– الأخذ بالأساليب العقلية والعلمية: رغم دعوة “العروي” إلى ضرورة الاعتماد على منطلقات الحضارة الغربية للنهضة العربية، فإنه يرفض التبعية التي تفرضها تلك الحضارة بالقوة وبسبب تقدمها، بل يدعو إلى النظر الواعي إلى هذه الحضارة، والأخذ بالأسباب العقلية والمنطقية والعلمية لإيجاد حالة الحداثة التي يفتقر إليها العالم العربي، ويذهب إلى أن الحداثة العربية والنهضة لن يتحققا إلا عبر اعتناق مقولات الحضارة الغربية الأساسية، التي تسببت في تقدمه منذ بدايات عصر النهضة، كالعقلانية والمسؤولية الفردية ومفاهيم التقدم، حسب قوله.

عوائق الحداثة

1- الأصالة ضد الحداثة: يتحدث “العروي” عن معوقات الحداثة العربية، التي تقف حائلاً دون مشروع الحداثة والنهضة، وأهمها “التمسك بالأصالة” التي يرى أنها “تقف ضد التحديث”، وقد عرفها -أي الأصولية- بأنها: “اتباع التفكير الموروث في الفكر العربي، الذي يؤدي إلى الثبات وعدم التطور”، وقال إنه “يجب التخلص منها، عبر نبذ أسلوب التفكير الموروث بشكل كامل”، حسب قوله.

2- السلفية والجمود العقلي: من معوقات مشروع الحداثة عند “العروي” الانتقائية والسلفية؛ حيث يقصد بالانتقائية اختيار التراث وأساليبه القديمة و”انتقاءه” لمواجهة أي إشكالية فكرية أو معرفية، وينظر إلى السلفية على أنها حالة جمود فكري عند مرحلة تاريخية معينة، يمارس باستمرار فكرة اللجوء إليها كمرجعية معرفية لا عقلانية؛ لذا، يجب القضاء عليها، حسب رأيه، وذلك باستخدام المنهج التاريخاني والخضوع الكامل له.

3- العقلية العربية وتجاوز الحداثة: لا يمكن عند “العروي” عبور فكرة الحداثة بتجاوزها إلى مرحلة ما بعد الحداثة، التي وصل إليها الغرب، فهو يعتبر ذلك من المعوقات التي تقف حائلاً أمام الحداثة العربية؛ إذ لا يمكن للعقلية العربية أن تعبُر مباشرة إلى مرحلة ما بعد الحداثة، ولا يمكن لها أن تنقدها إلا بعد أن تمر بمرحلة الحداثة نفسها التي مرت بها الحضارة الغربية واستوعبتها كاملة، حسب قوله.

مفهوم الحرية

يتناول “العروي” في مشروعه الفكري مفهوم الحرية في التراث العربي، مستخدماً منهجه التاريخاني، فيرى أن الحرية كما عُرفت في التراث العربي ارتبطت بمفهوم الفردية، وتجسدت في أشكال مختلفة عبر التراث، منها الحرية عبر الاستعانة بالقبيلة، التي توفر مساحة من الحرية الفردية، وتوفر الحرية المرتبطة بالبداوة البعيدة عن القوانين والتقييد، وفق قوله.

الشكل الآخر الذي تحدث عنه “العروي” للحرية هو ما سمّاه “حرية التقوى”؛ إذ إنها “تُمكّن الفرد من اكتساب وضع اجتماعي بسبب مظاهر التقوى، التي تسمح له بمزيد من حرية التصرف”، إضافة إلى أن “اللجوء إلى التقوى، يعطي الفرد إحساساً بالحرية من أي سلطة خارجية، ويجعله يعتقد أن له مساحة داخلية من الحرية”، حسب قوله.

الحرية في التراث الإسلامي هي الحرية الفردية، حسب “العروي”، بعيداً عن سياقها العام في الإطارات الاجتماعية والسياسية والتاريخية والقانونية، دون وجود نظرية كاملة عن مفهوم الحرية في التراث العربي، الأمر الذي يلقي بظلاله على الواقع الحالي، ما يجعل من المهم طرح الارتباطات التراثية لإعادة إنتاج نسق فكري عربي شامل يتضمن جميع المفاهيم، بما فيها الحرية كمفهوم عربي عام، حسب قوله.

وختاماً، رغم دعوة “العروي” إلى المقاطعة التراثية، واستخدام المفاهيم الغربية لتأسيس مشروع حداثة للعقلية العربية، فإن مشروعه ليس مشروعاً تغريبياً يهدف إلى عزل العقل العربي عن ثقافته العربية ومحيطه؛ بل إن مشروعه الحداثي يهدف إلى إقالة العقل العربي من عثرته، عبر الأدوات العقلية والمفاهيم المعرفية التي مكّنت الغرب من بناء حضارته.

والمقاطعة التراثية التي دعا إليها “العروي”، فرضها عليه منهجه التاريخاني، الذي يتعامل مع التاريخ وفق التجربة الإنسانية الحادثة في حينها، وقد استخدمه لتقييم التراث العربي دون التركيز على العيوب والأخطاء، فوصل إلى نتيجة “عدم صلاحية التراث لإحداث نهضة عقلية فكرية، لعدم وجود الآليات التي تمكِّن من بناء هذه النهضة”، حسبما يرى؛ فدعا إلى استخدام المفاهيم والأدوات التي مكّنت الحضارة الغربية من نهضتها، حتى تنهض الحضارة العربية مثلها، دون استنساخ للحضارة الغربية؛ بل يدعو إلى تأسيس العقل العربي باستخدام أدوات معرفية غربية لإعادة العقل العربي إلى دورته التاريخية، والانطلاق نحو الحداثة العربية وتأسيس نهضة “عربية” عبر التجديد دون تغريب.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة