تأثير التداول الشعبي للمرويات الضعيفة
اشتهرت كثرة مما يسمى “أحاديث”، تُنسب للنبي عليه الصلاة والسلام فتجد مكانها في قلوب المسلمين على مر العصور؛ رغم أنها موضوعة أو ضعيفة، وتنوعت أصولها بين أقوال مأثورة من الحكمة القديمة أو مكذوبة. رغم ذلك، يتعامل المسلمون معها على أنها “من كلام النبي وسُنَّته”، وكان لها عظيم الأثر في معتقدات الناس الدينية وحياتهم اليومية، وسلوكهم وأفكارهم ومعاملاتهم ومواقفهم.
لذا، نعرض لـ”سبعة” نماذج من تلك المرويَّات الضعيفة أو التي لا أصل لها.
أولاً، حديث “أصحابي كالنجوم”
اشتهر هذا النص بأنه حديث قاله النبي محمد: “أصحابي كالنُّجومِ بأيِّهم اقتديتُم اهتديتُم”.. ففيه إقرار من النبي بصحة سلوك صحابته، مهما فعلوا دنيوياً من أخطاء باعتبارهم بشراً خطَّائين، مما يشكِّل طريقة المسلمين في الاقتداء بأفعالهم في الدين والدنيا، مما هو مرويٌّ عنهم في كتب الإخباريين والمحدثين والرواة، دون أي نظرة نقدية أو إعمال عقل.
أما حكم علماء الحديث في هذا النص، فهو:
يقول صلاح الدين العلائي، المفسر والفقيه الأشعري، في “إجمال الإصابة”، إنه “حديث ضعيف”. ويذهب الإمام الشوكاني إلى أنه “فيه مقال وإسناده ضعيف”. ويقول ابن حجر العسقلاني، الفقيه الشافعي، في “لسان الميزان”، إن “هذا الحديث قد رُوي من طرق غير طريقه، وهو بإسناده مختلَق، وحكمه أن إسناده ضعيف”؛ ويقول، أيضاً، في “التلخيص الحبير”، إنه “حديث رُوي من طريقين، الأولى فيها مَن لا يعرف، والأخرى فيها كذاب”. ويذهب الإمام أحمد بن حنبل في “المنتخب من العلل للخلال” إلى أن “هذا الحديث لا يصِح”. ويقول الإمام ابن حزم الأندلسي، في “الإحكام في أصول الأحكام”، إنه “حديث باطل مكذوب”.
ثانياً، حديث “أبغض الحلال”
وهو من المرويّات المشهورة المنسوبة إلى النبي، ونصُّه: “أبغَضُ الحلالِ إلى اللَّهِ الطَّلاق”.
ومدى شهرة هذه المروية وانتشارها أثَّر في نظرة جموع المسلمين في مسائل الطلاق، بالطريقة التي لم يرد فيها نص قرآني يُبغّضُ الناس فيه، مما شكّل النظرة الاجتماعية الدونية للمطلقين والمطلقات في المجتمعات الإسلامية.
وحُكم علماء الحديث على هذا النص، هو:
يقول أبو حاتم الرازي، وهو من علماء الجرح والتعديل، في “بلوغ المرام”، إن الراجح أنه حديث مُرسَل، إشارة إلى ضعف إسناده. ويذهب ابن القيسراني، الفقيه الظاهري، في “ذخيرة الحفّاظ”، إلى أن “إسناده ضعيف جداً”.
ويقول شمس الدين الذهبي، الفقيه الشافعي، في “تلخيص العلل المتناهية”، إن “إسناده ضعيف جداً”. أما ابن الملقن الأندلسي، وهو من علماء الشافعية، فيقول في “البدر المنير”، إنه “حديث مُرسَل وإسناده ضعيف”.
ثالثاً، حديث “الناس كلهم موتى”
وهو من مرويات المحدثين التي تغلق باب الرحمة على المسلمين، وتخصص الانتباه والنجاة على نسبة ضئيلة منهم، ونصه: “الناسُ كلُّهم موتَى إلَّا العالِمون، والعالِمون كلُّهم هَلْكى إلَّا العامِلون، والعامِلون كلُّهم غَرْقى إلَّا المخلِصون، والمخلِصون على خطَرٍ عظيم”.
وحكم علماء الحديث فيه هو:
يقول أبو الفضائل الصغاني، الفقيه الحنفي، في “الموضوعات”، إنه “حديث موضوع”. ويقول شعيب الأرناؤوط، الفقيه والمحدّث، في “تخريج منهاج القاصدين”، إنه “حديث موضوع”.
أما الألباني، المحقق وعالم الحديث، فيذهب أيضاً في “السلسلة الضعيفة” إلى أنه “حديث موضوع”.
رابعاً، حديث “أنا عربي”
وهو من المرويات التي تتناقض مع عالمية الدين الإسلامي، وأنه دين الله الخاتم للعالمين، وتُعلي من شأن عِرقٍ على بقية الأعراق، ونصُّه: “أنا عربيٌّ والقرآنُ عربيٌّ ولِسانُ أهْلِ الجنَّةِ عربيٌّ”.
وحُكم علماء الحديث فيه، هو:
يقول زين الدين العراقي، عالِم الحديث الشافعي، في “محجّة القرب”، بأنه “حديث لا يصِح”؛ فيما يذهب نور الدين الهيثمي، الفقيه الشافعي، في “مجمع الزوائد”، إلى أن “إسناده ضعيف جداً”. أما ابن حجر العسقلاني، الفقيه الشافعي، في “أسئلة وأجوبة”، فيقول إن “هذا الحديث ضعيف”.
خامساً، حديث “الغناء واللهو”
وهو حديث مشهور يُحرّم به كثير من العلماء كل أنواع الغناء والفنون المشابهة، ونصُّه: “الغناءُ واللَّهوُ يُنبتانِ النِّفاقَ في القلبِ كما يُنبتُ الماءُ العشبَ”.
وحُكم علماء الحديث فيه هو:
يقول أبو عبد الله الزرقاني، الفقيه المالكي، في “مختصر المقاصد” إن “هذا الحديث لا يصِح”. ويقول شمس الدين القاوقجي، من علماء الحنفية، في “اللؤلؤ المرصوع”، إنه “حديث لا يصِح”. ويقول ابن حجر العسقلاني، الفقيه الشافعي، في “فتح الباري”، إنه “حديث في إسناده ضعف”. ويذهب الإمام ابن حزم، صاحب المذهب الظاهري، إلى أنه “حديث إسناده ضعيف جداً”، و”مِن رواته مَن هو ضعيف متروك الحديث”.
سادساً، حديث “ليس لفاسق غيبة”
حرّم الله سبحانه وتعالى الغَيبَة في كتابه العزيز، في سورة الحجرات: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضاًۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحجرات: 12].
وقد وَرَد في المرويات نص على أنه كلام النبي، يقول: “ليس لفاسقٍ غَيْبَة”. وهذا يتعارض مع الآية القرآنية الناهية عن الغيبة، قطعاً، دون استثناء.
أما حكم علماء الحديث فيه، فهو:
يقول أبو جعفر العقيلي، الراوي والمحدّث المكّي، في “المقاصد الحسنة”، إن “هذا الحديث ليس له أصل، ولا يتابع عليه من طريق يثبت”. ويقول ابن قيم الجوزية، الفقيه الحنبلي، في “المنار المنيف في الصحيح والضعيف”، إنه “حديث باطل”. ويذهب بدر الدين الزركشي، الفقيه الشافعي، في “اللآلئ المنثورة”، إلى “ضعْف هذا الحديث”، كما ضَعَّف أحد رواته.
كما ضَعّف ابن حجر العسقلاني أحد رواته. ويقول شمس الدين السخاوي، الفقيه الشافعي، في “الأجوبة المرضية”، إنه “حديث ضعيف جداً”.
سابعاً، حديث “مَن تمسَّك بسُنَّتي”
وهو نصٌّ يستخدمه كثير ممن يستندون إلى مرويات الإخباريين والرواة والمحدّثين، ويزيدون قيمتها الشرعية في الأوامر والنواهي والأحكام الفقهية، ونصُّه: “مَن تَمسَّكَ بِسنُّتِي، عند فسادِ أُمَّتِي، فلَهُ أجرُ شَهيد”.
أما حكم علماء الحديث فيه، فهو:
يقول أبو أحمد بن عدي الجرجاني، الفقيه الشافعي، في “ضعيف الترغيب”، وفي “الكامل في الضعفاء”، إنه “حديث ضعيف”. ويقول شمس الدين الذهبي، الفقيه الشافعي، في “ميزان الاعتدال”، بضعفه، وإن “أحد رواته “هالك، وإسناده ضعيف”، ومَن فيه مجروح سوى راوٍ واحد هو الحسن بن قتيبة الخزاعي”. ويقول الشيخ الألباني، أحد علماء الحديث، في “ضعيف الترغيب”، وفي “السلسلة الضعيفة”، إن “إسناده ضعيف جداً”.
وختاماً، فإن انتشار المرويات الموضوعة والضعيفة، ونسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسط تسليم من جموع المسلمين، وتداولها اليومي وسط العامّة، يُضفي عليها شرعية دينية وحُكمية تؤدي إلى سلوكيات معينة في حياتهم اليومية، ومواقفهم الدينية والأخلاقية من العالَم. وبالتالي، فإن تنقية تلك المرويات المنسوبة إلى النبي زُوراً، بالدقة الواجبة، هي الوسيلة المثلى لتوضيح صحيح الدين لعموم المسلمين، كما وَرَد في آيات القرآن الكريم.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.