القرآن ضمن للنساء جملة من الحقوق إنصافاً لهن من الظلم الاجتماعي الذي عانينه في إطار مجتمعات ذكورية (1-2)
قضايا شائكة تخوض غمارها الدكتورة زهية جويرو، أستاذة الدراسات الإسلامية وعلم الأديان بالجامعة التونسية، حول المرأة في الإسلام، بدايةً من المساواة بينها وبين الرجل، ومشاركتها في فهم وتفسير القرآن والسُّنة، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه النسوية الإسلامية.
وإلى نص الحوار:
أعتقد أن حداثة مفهوم المساواة تدعونا إلى التفكير في نسبته إلى فترات أو مجتمعات أو منظومات ثقافية وقيمية تفصلها عن الحداثة أزمان أو اختلافات هيكلية. المساواة مفهوم تشكَّل في إطار مجتمعات الحداثة وفي علاقة بنشأة مفاهيم أخرى مثل مفهوم الشخص وحقوق الإنسان، وبدأ هذا المفهوم يتحقق عملياً ضمن شروط مادية ومعرفية وقانونية تجعل منه مفهوماً يستحيل التفكير فيه في سياق المجتمعات الانقسامية النخبوية التي تنبني على معيار التراتبية. حيث يحتل الذكر-الأب، والفارس المقاتل والقوّام المرتبة العليا بينما تتنزل سائر الفئات والأنواع على درجات السلم الاجتماعي، والمجتمعات الدينية تنتمي لهذا الصنف. قد يقول قائل إن خاصية التعالي التي تتسم بها الأديان عامة، ومنها الإسلام بطبيعة الحال، تجعلها غير منحصرة في لحظة زمنية بعينها أو على المجتمعات التي تنشأ فيها، بل إن الرسائل التي تحملها الأديان عادة ما ترمي إلى ما هو أبعد من زمنها وأوسع من مجتمعها المخصوص، فكيف ننفي عنها، وعن الإسلام تحديداً، فرضية أن يكون قد سوّى بين الرجال والنساء مثلما سوى بين العرب والأعاجم وبين جميع المؤمنين بصرف النظر عن أصولهم العرقية ومواقعهم الاجتماعية؟ لفهم هذه المفارقة نحتاج إلى التمييز بين القيم العامة التي حملتها الأديان ودعت إليها ومثلت النواة الصلبة لرسالتها وهذه هي موضوع دعوتها الدائمة وواقع المجتمعات حيث تتحكم البنى المادية والرمزية في الأوضاع وتفرض حدوداً أمام التحقق الفعلي لتلك القيم، بل يمكن ملاحظة أن مضمون تلك القيم نفسها يتأثر بالسياق التاريخي بكل أبعاده، وكثير من المجتمعات القديمة اعتبرت أنه من مقومات العدالة نزول كل شخص المنزلة المقررة له على السلم الاجتماعي حيث للسيد وللعبد وللرجل والمرأة مواقع إن لم تُحترم حلت الفوضى. حرص القرآن على أن يضمن للنساء جملة من الحقوق إنصافاً لهن من الظلم الاجتماعي الذي عانينه في إطار مجتمعات ذكورية وتراتبية في الآن نفسه، ولكن ظل يواجه إلى اليوم مجتمعات ومستويات من الوعي لم ترتقِ إلى مستوى قيم العدالة والإنصاف والمساواة التي حرض عليها في التعامل مع النساء خاصة ومع عموم الفئات الاجتماعية عامة.
لم ينقطع إنتاج النساء للمعرفة الدينية عبر التاريخ، النساء منذ فجر الإسلام قارئات ومفسرات ومحدثات وفقيهات ولكنهن مجردات من السلطة التي تفرض المعرفة والتي تمكن من حفظها ونشرها بالتدوين والتدريس. وشاع في الوعي العام تمثل مخصوص لعالم الدين، رجل وشيخ ومعمّم، وهذا التمثل لا يقلل من الاعتراف بالنساء فحسب مصدراً للمعرفة الدينية بل يقلل كذلك من شأن المعرفة التي ينتجها الباحث الأكاديمي والجامعي المختص في علم الأديان ولا يعترف بأنها معرفة مشروعة، هذا الوعي العام لا يثق بمعرفة دينية تنتجها النساء أو مؤسسات علمية، ولكن هذا لا يعني أن تلك المعرفة ليست جديرة بالثقة أو أنها أدنى درجة من تلك التي ينتجها الرجال، فتعميم التعليم ودمقرطة المعرفة وإشاعة مواردها بفضل التطور التكنولوجي كلها عوامل أسهمت في تحرير المعرفة الدينية من الاحتكار الذكوري مثلما ساهم تحول الدين إلى موضوع للمعرفة العلمية الإنسانية في تحريره من احتكار المؤسسة التعليمية التقليدية ليصبح موضوع دراسة وتدريس في الجامعات المختصة في العلوم الإنسانية، ومن هذا الباب خاصة ولجت النساء إلى مجال إنتاج المعرفة بالأديان.
أن تكون المعرفة التي تنتجها النساء حاملة لخصوصيات فهذا أمر نسبي، حيث نجد من بينهن من يُعدن إنتاج الموروث بما يحمل من مواقف وتصورات وقيم ومن رؤية للكون وللإنسان وللذات فلا نجد في ما ينتجن أي أثر لشخص منتجه حتى إنك تستطيع بيسر أن تنسبه إلى أي فقيه أو مفسر من فقهاء المدرسة التراثية ومفسريها. ونجد كذلك من النساء من تعبر تلك المعرفة التي ينتجنها عن منظور نسوي يسعى إلى فهم الدين ونصوصه وخطاباته وتاريخه من خلال استخدام مفاهيم البردايم النسوي وإجراءاته فيسعين إلى الكشف عن مواطن تخفي الذكوري والباتريكي في ذلك الإنتاج وعن السلطة التي كانت لهما في توجيه الفهم والمعنى، وإلى استعادة المضمون الرسالي للأديان بصفته المعبرة عن تطلعات النساء إلى العدالة والإنصاف والمساواة وإلى تحرير القراءة من سلطة الموروث وسياقاته التاريخية. أما عن البحث النسوي وتوجهاته؛ فالتفريق بين البحث النسوي الإسلامي والبحث النسوي في العالم الإسلامي لازم، فالأول توجه من بين توجهات أخرى عرفتها البحوث والأعمال التي تنتجها النساء في حقل الدراسات الدينية وعرفتها الحركات النسوية النضالية في العالم الإسلامي، والثاني يحيل على ما هو موجود من توجهات بحثية ونضالية تخص النساء في العالم الإسلامي، وهي متنوعة تنوعها في سائر مناطق العالم؛ حيث نجد ما هو يساري وما هو ليبرالي. أما النسوية الإسلامية فاتجاه بدأ يفرض نفسه ويُعرف ويقوم على إعادة فهم النصوص التأسيسية وتأويلها من منظور نسوي وإيماني في الوقت نفسه وباعتماد المقاربات المتاحة في علوم الإنسان والمجتمع. فهذا التوجه يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التاريخية والاجتماعية التي تؤكد موقع الدين بالنسبة إلى المسلم وحيويته ولا ينكر دور الإيمان في بناء الذات ورؤيتها وعلاقاتها، ويُرجع ما عانته النساء عبر التاريخ والمجتمعات الإسلامييَن من دونية واضطهاد إلى الفهم الذكوري واستئثاره بكل السلطات السياسية والمعرفية، ويرى في المقابل أن القرآن يحمل من إمكانيات إعادة الفهم والتأويل ما يمكن أن يمثل منطلقاً لتحرير النساء في العالم الإسلامي اليوم ولتمكينهن من حقوقهن الإنسانية شأنهن في ذلك شأن سائر المواطنين.
لا تختلف التحديات التي تواجهها النسوية الإسلامية اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تواجهها سائر التوجهات النسوية في العالم الإسلامي؛ بل وحتى عن سائر الحركات النسوية في ما يعرف اليوم بالجنوب الكبير، حيث تواجه النساء تحديات الفقر واستتباعاته وتحديات الاستغلال المفرط والحرمان من الحقوق بكل أصنافها ومن الخدمات الضرورية للعيش الكريم، والنساء في معاناتهن هذه جزء لا يتجزأ من المجتمع بعمومه؛ ولهذا نرى توجها نحو ضرب من التضامن بين الحركات النضالية النسوية والعمالية والشبابية التي تشترك في مواجهة هذه الأوضاع وتحدياتها مثلما تشترك في الأهداف. ما تختص به النسوية الإسلامية سواء أكانت توجهاً معرفياً بحثياً منتجاً للمعرفة أو كانت حركة نضالية ممأسسة في تنظيمات وجمعيات هو وعيها بأن جانباً من الاضطهاد الذي تعانيه النساء في العالم الإسلامي يعود إلى عوامل ثقافية خصوصية يأتي على رأسها الفهم السائد للدين واتخاذه دليلاً تضفى بواسطته الشرعية على كثير من الممارسات التي تحرم النساء من الحق في العدالة والإنصاف سواء أكانت هذه الممارسات في الفضاء العام أو في إطار الأسرة، كما يعود جانب آخر من ذلك الاضطهاد إلى طبيعة السلطة السياسية والقوانين التي تسنها والتي تتخذ هي الأخرى من الدين حجة لحرمان النساء من حقوقهن الاقتصادية والسياسية والشخصية، وهذا يظهر خاصةً في مجال قوانين الأسرة والأحوال الشخصية؛ حيث تعاني النساء من أحكام التطليق والنفقة والحضانة وأحكام الأموال المشتركة بين الزوجين والتي لا يُعترف بها في قوانين كثير من البلدان الإسلامية، وما إلى ذلك من القوانين التي لا يخفى طابعها التمييزي ضد النساء.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
لقاءات خاصة
عامر الحافي: بعض المذاهب الإسلامية لم تشتهر رغم أنها أصوب من الرائج (الجزء الأول)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.