البنود الأساسية في آيات التنزيل الحكيم
مسألة “حقوق الإنسان” من المسائل التي شغلت العالَم في العصر الحديث، فقد أفضت الحروب والنزاعات المسلحة إلى ضياع حياة الملايين من الضحايا، من مختلف الأجناس والأعراق والديانات، وملايين الحالات من القتل والتشريد وضياع الحقوق الأساسية التي اكتسبها الإنسان عبر العصور.
فما هو مفهوم حقوق الإنسان طبقاً لآيات القرآن؟
“الحق” في القرآن
وَرَد لفظ “الحق” في القرآن، كاسم من أسماء الله في أكثر من موضع، فيقول الله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 116]. وفي سورة الحج، يقول سبحانه: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ﴾ [الحج: 62].
ووَرَدت كلمة “الحق” في القرآن المجيد بمعنى العدل، كقول الله تعالى في سورة الزمر: ﴿وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [الزمر: 69]. وفي قوله سبحانه، في سورة الأعراف: ﴿وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الأعراف: 8].
وجاء لفظ الحق في القرآن بمعنى الصدق؛ فيقول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 62]. ويقول سبحانه في سورة الذاريات: ﴿فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: 23].
وجاء لفظ “الحق” في آيات الذكر الحكيم بمعنى الواجب، كما وَرَد في سورة البقرة في قوله عزَّ وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡراً ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقاً عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180].
القرآن وحقوق الإنسان
ورد في آيات الله البينات، إشارات إلى “خمسة” بنود تتعلق بحقوق الإنسان، هي:
أولاً، الحق في الحياة: خَلَق الله تعالى الإنسان ووَهبَه الحياة، وكَفَلها له، ولا يحق لأحد أن ينتهك هذا الحق بالاعتداء على حياة الآخرين، فلا يحِق إزهاق روح إنسانية، أو أن يسلِب إنسان إنساناً آخر هذا الحق، إلا بما تقرّه آيات الذكر الحكيم، وبمقتضى القوانين.
يقول الله تعالى في كتابه الحكيم، في سورة المائدة: ﴿مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ﴾ [المائدة: 32].
ويقول الله سبحانه في سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ [الإسراء: 33].
ويقول تبارك وتعالى في سورة النساء: ﴿وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَاباً عَظِيمٗا﴾ [النساء: 93].
ويقول عزَّ وجل في سورة الفرقان: ﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهاً ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا﴾ [الفرقان: 68].
ثانياً، الحق في المساواة: الناس سواسية في الإسلام بالدليل القرآني الدامغ، دون تفرقة مبنية على أساس طبقي أو عرقي أو جنسي أو ديني؛ فقد خلق الله الإنسان من نفسٍ واحدة، ولا توجد تفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات، فيقول الله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ﴾ [الأنعام: 98].
ويقول في سورة الإسراء: ﴿وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا﴾ [الإسراء: 70].
ويقول في سورة الحجرات: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾ [الحجرات: 13].
وفي سورة النحل، يقول سبحانه وتعالى: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
ثالثاً، الحق في العدالة: أمَر الله سبحانه وتعالى الناس بإقامة العدل في ما بينهم، ويتجلّى “العدل” قيمةً أساسيةً في الأوامر والنواهي والإرشادات الروحية في آيات القرآن. فيقول الله سبحانه في سورة النساء: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا﴾ [النساء: 58].
ويقول في سورة النساء: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡراً عَظِيمٗا﴾ [النساء: 40].
وفي سورة النحل، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
وفي سورة الشورى يقول تعالى: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [الشورى: 15].
رابعاً، الحق في حرية التفكير والاعتقاد: أقرّت آيات القرآن بأحقية كل إنسان في أن يفكر ويعتقد كما يشاء، كافلةً الحرية الكاملة في الفكر والاعتقاد، وأن لا جهة لها محاسبة الناس على معتقداتهم في الدنيا، وأن الحساب عند الله يوم القيامة.
يقول الله تعالى في سورة الحج: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ﴾ [الحج: 17].
ويقول سبحانه في سورة المائدة: ﴿لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ﴾ [المائدة: 48].
وفي سورة المؤمنون، يقول الله عزَّ وجل: ﴿وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهاً ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [المؤمنون: 117].
ويقول تعالى في سورة الكهف: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ﴾ [الكهف: 29].
خامساً، الحق في الملكية وحمايتها: أعطى الله الإنسان حق تملك الأشياء وحيازتها والاحتفاظ بها، وكذلك الانتفاع بها، مع تخصيص حق الحماية من الاعتداء والسرقة والسلب، وحرية التصرف في البيع والشراء والهبة والوصية، وأقرّت آيات الذكر الحكيم تلك الحقوق.
يقول الله تعالى في سورة النساء: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا﴾ [النساء: 32].
ويقول في سورة البقرة: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 188].
وفي سورة الأعراف، يقول سبحانه: ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾[الأعراف: 32].
ويقول الله تعالى في سورة النساء: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا﴾ [النساء: 29].
وختاماً، فإن تلك النماذج من حقوق الإنسان، التي أقرها الله تعالى في كتابه الكريم، لا يمكن للمسلم أن يتجاهلها، فهي إقرار من الله تعالى في آيات الذكر الحكيم بحقوق البشر، وأمر الله تعالى للناس بالعدل والخير والبر والمعاملة الحسنة يتفق مع تلك الحقوق دون خلاف.
لقاءات خاصة
عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)
© جميع الحقوق محفوظة لمركز حوار الثقافات 2024.