اليمين الأوروبي:

الإسلاموفوبيا والتطرف في القارة العجوز

مركز حوار الثقافات

09-09-2024

في التاسع والعشرين من يوليو 2024، اندلعت أعمال شغب في عدة مدن بريطانية بعد حادث طعن في مدينة "ساوثبورت"، قُتلت فيه ثلاث فتيات في سن الطفولة، وأصيب في الحادث أطفال وبالغون بجروح خطيرة، وقبل أن تكشف السلطات البريطانية عن اسم المتهم، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار كاذبة تزعم أنه "لاجئ مسلم وصل إلى بريطانيا على متن القوارب غير الشرعية". 

وحرَّضت مثل هذه المنشورات، الكاذبة، أنصار اليمين المتطرف على التحرك، فاحتشدوا في عدد من المدن مرددين شعارات مُعادية للمسلمين والمهاجرين عموماً؛ وتشكلت، أيضاً، احتجاجات مناهضة لليمين المتطرف، فوقعت مواجهات بين الطرفين، ومع الشرطة، واستهدفت أعمال الشغب المسلمين وطالبي اللجوء.

التطرف الأوروبي

لم يعد الاحتقان المشوب بالعنصرية ضد المسلمين في مدن إنجلترا، حالة مفردة في أوروبا؛ إذ إن عدة أحزاب يمينية متطرفة، في دول أوروبية أخرى، تنتهج نفس النهج في ما يتعلق بالموقف من الإسلام والمسلمين، خصوصاً المهاجرين منهم إلى أوروبا. 

وكان صعود اليمين المتطرف في القارة الأوروبية قد شغل الباحثين كثيراً خلال الفترة الماضية، مع ازدياد شعبية زعمائه وأحزابه؛ ففي المجر حزب "فيديس" اليميني المتطرف، وفي فرنسا حزب "التجمع الوطني" المناهض للهجرة، وفي السويد حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني العنصري، وفي إيطاليا حزب "إخوان إيطاليا" الذي يمثل الصعود الفاشي الجديد هناك، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة في إيطاليا لأول مرة منذ عام 1945م، وفي ألمانيا حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف.. ليس هذا فقط، بل في عدة دول أوروبية أخرى، منها هولندا وإسبانيا وبولندا. 

وتشترك هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة جميعها في ملامح مشتركة، تُظهر التطابق الفكري بينها، كالنزعة القومية المتطرفة ومعاداة الأجانب وكراهيتهم، ورفض الهجرة والإسلاموفوبيا، وأيضاً التشكيك في الاتحاد الأوروبي وفكرة الوَحدة الأوروبية، ومعارضة الديمقراطية النيابية، والوعد بتعزيز الهوية المسيحية لأوروبا.

اليمين والمسلمون

وتزامن صعود تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مع تصاعد العداء للمسلمين، وهو ما بات يُعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط المسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب. ويثير صعود تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة، على مدار الأعوام القليلة الماضية، مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، في ظل ما يصدر عنها من دعوات ضد المهاجرين بشكل عام، وضد المهاجرين المسلمين على وجه الخصوص.

وحسب تحقيق أجراه "مجلس خبراء الاندماج والهجرة" في ألمانيا، نُشر في خريف عام 2022م، عَبَّر بين ثُلث ونصف الذين جرى استطلاع رأيهم عن وجهات نظر مُعادية للمسلمين والإسلام، وتوجد تقارير أسبوعية عن إلحاق أضرار بأحد المساجد في ألمانيا. 

وذكر تقرير صادر عن وزارة الدولة للهجرة واللاجئين والإدماج الألمانية، في 11 يناير 2023م، وجود ما يقرب من "22 ألف" هجوم لليمين المتطرف كل عام في ألمانيا، استُهدف فيه المسلمون بنسبة 55%، أكثر من أي دين آخر. 

كما سُجِّل "732" اعتداءً عنصرياً في البلاد، عام 2021م، استهدف 54 منها دور العبادة أو المساجد أو المباني التابعة للجالية المسلمة، وهذه الهجمات مرتبطة باليمين المتطرف.

دوافع العنصرية

أولاً، الوضع الاقتصادي المأزوم: تزامن ارتفاع نسب البطالة في أوروبا، والتضخم المتزايد في أسعار الطاقة والغذاء، وارتفاع أسعار العقارات، وزيادة الشريحة الضريبية في الدول الأوروبية، مع التورط المالي والعسكري لمعظم دول الاتحاد الأوروبي في دعم أوكرانيا، بالضخ المالي والسلاح في الحرب "الروسية-الأوكرانية"، الأمر الذي يرفضه دافع الضرائب الأوروبي.

وتشير التحليلات والاستطلاعات حول هذه المسألة، إلى اعتراض 76% من الفرنسيين على تورط بلادهم في هذه الحرب، كما تقاطعت آراء عديد من المجتمعات الأوروبية، التي تورطت أنظمتها في الحرب مع رأي الفرنسيين؛ وهذا ما دفع ماكرون، عقب إعلان نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي 2024م، إلى حل الجمعية الوطنية باعتبارها السلطة التشريعية في فرنسا، ودعا إلى انتخابات مبكرة.

ثانياً، تراجع الأحزاب التقليدية: لم تحقق الأحزاب والحكومات التقليدية الحاكمة في أوروبا النجاح الكافي، في مواجهة الأزمات الاقتصادية، والتضخم المتزايد وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والعقارات، ولم تنجح آلياتها في أن تمرّر خطابها السياسي، مما أفسح المجال أمام صعود اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، وفي التمثيليات النيابية لتلك الدول، ما أسهم في نجاح اليمين المتطرف في نشر "البروباجندا" العنصرية التمييزية ضد الأجانب والمهاجرين، خصوصاً المسلمين، باعتبارهم جزءاً أو كل المشكلة التي تعانيها أوروبا.

ثالثاً، الدعاية اليمينية التنميطية: تؤثر الدعاية التنميطية، التي يتبناها اليمين المتطرف في أوروبا لصورة المهاجر، خصوصاً المسلم، في الصورة الذهنية التي تشكِّلها الشعوب الأوروبية عن الجماعات والأعراق الأخرى. وتلك الدعاية اليمينية التنميطية المتطرفة لصورة المسلمين، تصوِّرُهم على أنهم السبب الأساسي لكل الأزمات الاقتصادية والهوياتية التي يعاني منها المواطن الأوروبي، من أزمات البطالة والتضخم، إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء وتكاليف التعليم والضرائب المتزايدة، إلى تهديد شكل الحياة الأوروبية "الأصلية"، التي يدّعي مؤيدو اليمين الأوروبي المتطرف أنها مهددة بالوجود العرقي المختلف من مهاجرين مسلمين وغيرهم، مما يؤثر بالطبع في صانعي القرار وتشريعاتهم التمييزية ضد المهاجرين في أوروبا، وبخاصة المسلمين.

وقد أبرز التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، تزايد التشريعات التمييزية والسياسات القمعية ضد المهاجرين المسلمين في أوروبا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع احتدام حالة العنف العنصري ضد المهاجرين المسلمين، وازدياد الهجمات على المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية.

فقبل الانتخابات الأوروبية الأخيرة، حاول البرلمان الأوروبي الفائت أن يبتكر خُطة تُرضي جميع الأطراف بشأن اللاجئين، إذ أقر قانوناً من أهم بنوده أن تُفتتح مراكز احتجاز للمهاجرين على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهناك يُقبل أو يُرفض طلب اللجوء؛ كما أن كل من يُرفض طلبه من اللاجئين يُرحَّل إلى بلده الأصلي، وحال موافقة البلد الأصلي ستمنح أوروبا مواطني هذا البلد تأشيرات سفر أكثر.

إلا أن هذا عارضته أحزاب اليمين، على أساس أن ذلك سيزيد تفاقم الاضطرابات والجرائم على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويعزز عمل المهربين والجريمة المنظمة. فالحل، بالنسبة لليمين، يكمن بالأساس في غلق الحدود الخارجية للاتحاد، والترحيل القسري الممنهج ضد اللاجئين الموجودين حالياً داخل المجتمعات الأوروبية المُستضيفة، وهذا ما أيدته شرائح واسعة من الناخبين الأوروبيين.

وختاماً، فإن صعود اليمين على خلفية توظيف خطابه السياسي ضد المهاجرين المسلمين، جاء لتعبئة وتأجيج مشاعر الناخب الأوروبي، مستغلاً تأزم الوضع الاقتصادي، وتوظيف جزء من الضرائب من أجل تمويل طلبات واحتياجات اللاجئين والقادمين الجدد؛ لكنه سرعان ما تراجع، وإن كان جزئياً، على أرض الواقع. 

ويرى البعض أنه مثلما أسهم هذا الملف في تمكين اليمين المتطرف من أغلبية البرلمان الأوروبي الحالي، فقد يكون السبب في خسارة اليمين شعبيته في المستقبل، حينما يتجه نحو تطبيق سياساته على أرض الواقع محاولاً إرضاء الناخب الأوروبي الذي جلبه من ناحية، والموازنة في مواجهة خطابات حقوق الإنسان واللاجئين وقيم التسامح والديمقراطية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، بمؤسساته القضائية والرقابية، من ناحية أخرى.

ومن ثم، يبدو صعود القوى السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا أمراً حتمياً، مما يُسهم في زيادة غضب الناخبين الأوروبيين ضد المهاجرين المسلمين، بسبب تأثرهم بدعاية الإسلاموفوبيا التي يروجها اليمين المتطرف، مصوّراً وجود المسلمين في أوروبا أنه يمثل الخطر الداهم والحقيقي على نمط حياة المواطن الأوروبي.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة