اختلافات فقهية:

شروط الإباحة والتحريم في "تعدد الزوجات"

مركز حوار الثقافات

02-09-2024

تتباين الآراء الفقهية عند علماء الدين الإسلامي حول موضوع تعدد الزوجات، بين تأييد مطلق دون شروط أو قيود، أو موافقة بشروط وأحكام ظرفية محددة، كرخصة تحتاج إلى سبب؛ وبين رفض قاطع لتعدد الزوجات يقول بشرط واحد لرخصة التعدد عند الرجال، ويصل في بقية الحالات إلى التحريم القاطع. وهذا الاختلاف في الآراء الفقهية يثير قدراً لا بأس به من الجدال والنقاش المجتمعي في العصر الحالي.

فما هي أُسس الاستناد الشرعي للأحكام الرافضة والمؤيدة لتعدد الزوجات؟

تأييد تعدد الزوجات

يتنوع الاتجاه المؤيد لتعدد الزوجات، بين التأييد المطلق والتأييد المشروط.. كما يلي:

أولاً، التأييد المُطلق: يقول ابن باز إن تعدد الزوجات “قربة وطاعة، وليس مجرد رخصة”، وعمل صالح في “تكثير” الأمة وعفة الرجال والنساء، وفيه القضاء على أسباب الفساد والسِّفَاح، وهو أمر مطلوب ومشروع من أجل إكثار نسل الأمّة، ولـ”عفّة الفرج والبصر، وهو خير عظيم فيه مصالح كثيرة، وقد تُبتَلى النساء بالفقر والحروب، فإذا كانت تحت زوج يقوم عليها ويُحسن إليها ويعفّها، ربع زوج، أو ثلث زوج، أو نصف زوج خير لها من عدم ذلك”، حسب قوله. ويضيف بأن تعدد الزوجات هو “في أقل الأحوال سُنّة فيها خير كثير ومصلحة عظيمة”.

ثانياً، التأييد المشروط: ذهب جمهور من علماء الحنفية والمالكية إلى أن حكم تعدد الزوجات هو “الإباحة بشرط العدل بينهن في الواجبات والحقوق التي أقرها الشرع”.

أما أئمة الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا إلى “استحباب عدم الزيادة على زوجة واحدة من غير حاجة ظاهرة”، لأنه بهذه الزيادة يعرّض الزوج نفسه لواجبات وحقوق لعلّه لا يتمكن من القيام بها، ومن ثمّ لا يكون تعدد الزوجات جائزاً في تلك الحالة.

وقد أفتى الدكتور مجدي عاشور، المستشار السابق لمفتي الجمهورية في مصر، بأن الاقتصار على زوجة واحدة “من مستحبّات الزواج لضمان العدل”.

ويقول الدكتور شوقي علّام، مفتي الجمهورية في مصر، إن تعدد الزوجات دون سبب “ليس مشروعاً، فهو مشروطٌ بعِلَّة ومباحٌ بضوابط وليس على إطلاقِه”؛ مؤكداً أن إباحة التعدد تهدف إلى حل بعض المشكلات الاجتماعية التي تطرأ على بعض البيوت، والأصل في الزواج أن يكون من امرأة واحدة، وليس الأصل في الزواج هو التعدد كما يزعم البعض، وأن الرجل لو لجأ إلى التعدد فهو مسؤول أمام الله عن عدم التزامه العدل في الحقوق والواجبات بين زوجاته، ويوجد، حسب قوله، من الأحوال ما يجعل تعدد الزوجات “واجباً أو مندوباً أو حراماً أو مكروهاً”.

كما يذهب الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى أن آية التعدد “فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ” [النساء: 3]، ليست آية مستقلّة يمكن للمسلم أن يفهم منها إباحة التعدد دون قيدٍ أو شرط، أو دون ارتباط بشيءٍ آخر، كالآيات القاطعة في الدلالة على الأمر أو النهي أو الإباحة، وأن هذه الآية “يسبقها مباشرة تحذير شديد لأولياء اليتامى من أكل أموالهم”، وتوضح أن أكل أموالهم هو “نوع من استبدال الخبيث بالطيّب”، ثم تأتي بعدها مباشرة آية التعدد لتنضم إلى آية اليتامى، ولتُدرَج في السياق ذاته، وهو سياق “تحصين أموال اليتامى والتحذير من ظلمهم”.

ويذهب الشيخ الطيّب إلى أن المعنى العام للآيتين هو أن الزوج إنْ خاف الوقوع في الظلم وعدم العدل بزواج اليتيمات فيحرّم عليه الزواج منهن، وله في غيرهن مُتّسع إذا أراد؛ ويضيف بأن “مجرد الخوف من الظلم يكفي لحُرمة التعدد”؛ مؤكداً: “ليس بلازمٍ أن يصل الزوج إلى درجة اليقين في التقيد بالعدل والقدرة على منع الظلم، بل يكفي مجرد التخوّف من حدوث ذلك، وهذا لا يعني التحريم والمنع القاطعيْن لتعدد الزوجات، بل هو رفض للتعسف في استخدام الحق الشرعي دون ضوابط والخروج به عن مقاصده”، حسب قوله.

واتفق جمهور العلماء على أن العدل بين الزوجتين في النفقة والكسوة والمسكن ليس كافياً، بل هو كذلك في البشاشة وحسن العشرة واللطف في القول، وأن الله سبحانه وتعالى قد منع الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في التسوية وحسن العشرة.

رفض تعدد الزوجات

أيضاً، يأتي الاتجاه الرافض لمسألة تعدد الزوجات، ليتنوع بين الرفض لأسباب صحية، وبين الرفض اعتماداً على رؤية فقهية.. كما يلي:

أولاً، رؤية علمية: يرفض كثيرٌ من الآراء العلمية تعدد الزوجات لأسباب صحية، استناداً إلى الأبحاث الطبية والإحصائيات؛ حيث تؤكد تلك الآراء العلمية الرافضة أن الدراسات والإحصائيات توضح أن الارتباط بزوجة واحدة يزيد فرصة الرجل في طول العمر وضبط ضغط الدم، وأن الزوج غير المُعدِّد أقل تعرُّضاً للأزمات القلبية وارتفاع ضغط الدم، وغالباً ما يتبع نظاماً غذائياً وصحياً أفضل من الزوج المُعدِّد، وأن النشاط البدني للزوج غير المُعدِّد يكون في حالة أفضل في أغلب الحالات المرصودة.

ويؤكد الباحثون في دراسة أجريت بمستشفى الملك فيصل التخصصي، أن تعدد الزوجات يرفع فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والشريان التاجي بنحو “خمس” مرات أكثر من الرجال الذين لديهم زوجة واحدة.

وتقول الدكتورة فاطمة الهملان في دراسة أجرتها عام 2020م، إن 95% من حالات الإصابة بمرض سرطان عُنق الرحم ناتجة عن عدوى فيروس الورم الحليمي، وأسبابها التدخين وتعدد الزوجات، وإنه يوجد كثير من الأمراض المنقولة جنسياً ناتجة عن تعدد الزوجات. أيضاً، تُنادي دراسة علمية أجرتها جامعة “شيفيلد” البريطانية عام 2008م، في توصياتها، بفرض ضوابط اجتماعية صارمة على الذكور في تعدد الزوجات لمنع الأمراض المنقولة جنسياً.

ثانياً، رؤية فقهية: يذهب المفكر والباحث الإسلامي محمد شحرور إلى أن أسباباً مثل عدم الإنجاب والرغبة الجنسية الزائدة وعجز المرأة عن القيام بدورها كزوجة بسبب المرض الطويل، ليست مبررات لتعدد الزوجات بأي حال من الأحوال.

ويقول الدكتور شحرور إن أمر التعدد “مشروط بمسألة الزواج من أمهات اليتامى، أو الأرامل ذوات الأيتام”، وذلك استناداً إلى الآية الواردة في سورة النساء: “وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُوا۟ فِی ٱلۡیَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟” [النساء: 3].

وفي رؤيته، يذهب شحرور إلى أن المجتمع هو الذي يُقرر العمل بالتعدد أو عدم العمل به، ناظراً في قراره إلى تحقق شروط التعدد الواردة في الآية أو عدم تحققها، وأن أي قرار مجتمعي لا يحمل في ذاته الطابع الأبدي المطلَق، ولا يحق لأحد أن يقول إنه في حال منع التعددية الزوجية في بلد ما أنه تحريمٌ لما أحلَّ الله، حسب قوله.

وختاماً، فإنه من الملاحظ اتفاق جمهور العلماء والباحثين على “الظرفية” في مسألة تعدد الزوجات، بما في ذلك العلماء المؤيدون للتعدد، فقد أقروا أحكاماً وشروطاً لمحاولة تجنب الظلم وهَوى النفس والتقصير في الحقوق والواجبات المنوطة بالرجال في مسألة التعدُّد، ومراعاة الحالة المجتمعية في العصر الحالي في ما يخص الإباحة أو التحريم في تلك المسألة.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة