أمينة ودود:

اعتماد النسوية في فهم منهجية القرآن

مركز حوار الثقافات

14-09-2024

نحو إيجاد قراءة وتفسير نسوي للقرآن يلبي احتياجات النساء، ويغاير النظرة الذكورية السائدة في القرآن التراثي، حاولت الأكاديمية والباحثة الأمريكية أمينة ودود (1952م)، الحاصلة على ماجستير دراسات الشرق الأدني ودكتوراة في الدراسات العربية والأمريكية من جامعة ميشجان بالولايات المتحدة، منطلقة من النص القرآني، الذي رأته "متجاوزاً التاريخ وصالحاً لكل زمان ومكان".

"ودود"، التي تعمقت في دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشغلت مناصب أكاديمية عدة، عبَّرت عن مشروعها الفكري في مؤلفات وأعمال بحثية بالإنجليزية، وتُرجم بعضها إلى العربية، اهتمت بإشكاليات النسوية الإسلامية، ومن هذه الأعمال: "داخل الجهاد بين الجنسية: إصلاح المرأة في الإسلام"، و"قصائد هاجر"، و"مقدمة عن الإسلام"، إضافة إلى كتابها الأهم "القرآن والمرأة.. إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي"، الذي تضمن منهجها ومعظم أفكارها وآرائها النسوية القرآنية.

منهجية القرآن

ترى "ودود"، وهي أستاذة الدين والفلسفة بجامعة فرجينيا كومنولوث الأمريكية، أن القرآن هُدى للناس في كل زمان ومكان، وله "تفوُّق زماني"، وخطابه ليس مقصوراً على الفترة التاريخية التي نزل فيها، ومن سماته "العالمية وتجاوز التاريخ"؛ فالآيات القرآنية، حسب قولها، وإن كانت نزلت في مناسبات وظروف معينة، فإن خطابها غير مقصور على وقت نزولها أو تلك المناسبات، فالقرآن "هدى للمتقين في كل زمان ومكان".

وتُميز "ودود" بين الآيات المكِّية في القرآن وبين الآيات المدنيَّة؛ فقد وصفت الآيات المكيَّة بأنها "آيات الوحي العامة"، أو الآيات والمبادئ العامة التي تحتوي مبادئ جوهرية عالمية يجب منحها أولوية، بينما الآيات المدنيَّة تتضمن أحكاماً تفصيلية متعلقة بتنظيم المجتمع، حسب قولها.

وتضرب أمثلة على الفرق بين الآيات المكية والمدنية، فتذكر "الحور العين" كرفيقات الجنة في القرآن الذي ظهر في المرحلة المكية، ما يعكس العقلية المكية وقتها، بينما لم يُذكر هذا اللفظ عن رفيقات الجنة في الآيات المدنية، بل ذُكر مصطلح "أزواجهم".

وتذهب "ودود" إلى أن القرآن "ليس كتاب إرشادات يأمر القارئ بأفعال معينة أو باستيفاء خصائص معينة"، وفق قولها؛ لأن التعامل مع القرآن باعتباره إرشادات عملية يجعله يصلح لزمان دون زمان، لكن من صفات القرآن، حسب قولها، أنه يحتمل التأويل وتعدد الأحكام التي تختلف وفق المكان والزمان.

قراءة جديدة

توضح "ودود" أنه لا يجب التقيُّد بالأحكام التراثية السابقة، لا سيما في استخلاص الأحكام من آيات القرآن في المرحلة المدنية، مع تأكيد تمسكها بروح القرآن بشكل عام، بل يجب الاجتهاد، وفقاً لها، في الآيات المدنية لاستخلاص أحكام جديدة تناسب الزمان والمكان والجنس، وتقول عن الآيات المدنية إنها "يجب تنفيذها حسب فهمها الخاص"، وفق قولها.

وتدعو في قراءتها القرآن إلى تجاوز اللغة السائدة في شبه الجزيرة العربية وقت نزوله؛ لأن استعمالها يعني أن حكمه قاصر على واقعها لا يتجاوزه، كما تطالب بتجاوز ما يُسمى أسباب النزول -رغم اعترافها بها- لأنها تقيد صفة عمومية القرآن، وتحدد أحكامها وفقاً لزمن نزولها دون غيره، وتشدد على اعتبار "المقاصد العامة" للمجتمعات والظروف الراهنة في تفسير القرآن، حتى يمكن قراءته قراءة حداثية.

تحاول "ودود" استحداث قراءة جديدة للقرآن تراعي الاختلافات والفروق بين الرجل والمرأة والظروف التاريخية المتغيرة، حتى تصل بفهم القرآن إلى أفضل ما يمكن، وتدعو إلى التذكير بداهة بأن القرآن نزل إلى المؤمنين من الجنسَين، وبالتالي فمن العدل أن تشارك المرأةُ الرجلَ في قراءة القرآن وفهمه وتطبيقه.

وترى أن الإسلام رسالة شملت الرجال والنساء، والتكليف القرآني جاء للجنسَين، وساوى بينهما، وأكد حريتهما بالتساوي، رغم ذلك فإن التراث الإسلامي رغم ضخامته يخلو من تفسيرات نسائية تراعي حاجات المرأة وفهمها له، حسب قولها، لا سيما مع وجود اختلافات بين الرجل والمرأة تلزم قراءة مختلفة للقرآن، فيما تفسيره حق للجنسين أيضاً بالتساوي، حسب قولها.

وترى "ودود" أن القرآن يرفض التمييز بين الرجل والمرأة؛ فالرجال والنساء متساوون في القرآن، وتؤوِّل قوله سبحانه وتعالى: ﴿... وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228]، بأن الدرجة التي للرجال على النساء هي إمساكهم عصمة النساء وقدرتهم على الطلاق بشكل فردي، في ذلك العهد، حسب قولها.

كما تذهب إلى أن تعدد الزوجات "مُناقض للأصول القرآنية الداعية لضبط النفس والإخلاص والعفَّة"، كما أن تعدد الزوجات، حسب رأيها، "يُنافي مسؤولية الخلافة المتبادلة التي جعلها الله للرجل والمرأة على السواء"، كما توضح أن "مسألة العقاب البدني للنشوز تتعارض مع روح القرآن"، وفق قولها.

وتوضح "ودود" أن الظروف المجتمعية الحالية، وما يحدث من تعسف الرجال في استخدام سلطة الطلاق الفردي، يجب أن تُضيَّق من ولي الأمر، كما قالت إن القرآن لم يضع قاعدة بأن "الرجال ينبغي أن تكون لهم السلطة المطلقة في الطلاق"، وبالتالي يجب اقتصار سلطة الطلاق على القضاء، حسب "ودود".

وتذهب "ودود" إلى جواز زواج المسلمة بغير المسلم من أصحاب الديانات السماوية، وترى أن القرآن "لا يُعارض ذلك"، وتوضح أن مثل هذه الخطوة "ستُسهم في إيجاد قواسم مشتركة بين المسلمين وأصحاب الديانات السماوية"، حسب قولها.

المرأة والتراث

التفسيرات التراثية للقرآن، التي قام عليها رجال دون نساء، حسب "ودود"، فرضت على المرأة عدم الخروج من البيت، فحرّموا عليها ما لم يحرمه القرآن، مستخدمين نص الآية: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ...﴾ [الأحزاب: 33]، لوضع قاعدة عامة بأن النساء لا يجب أن يخرجن من منازلهن بشكل كامل، دون الانتباه إلى أن الآية السابقة مقيدة بقصد التبرُّج، فضيَّق الرجال الحكم القرآني الواسع، حسب قولها.

وقد ألقت "ودود" خطبة الجمعة دون صلاة، في مسجد "كليرمونت" بمدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا (عام 1994م)، ثم أمَّت المصلين في صلاة الجمعة في مدينة منهاتن الأمريكية، وأذَّنت للصلاة امرأة أخرى تدعى سهيلة العطار، فكانت أول امرأة تخطب وتصلي الجمعة، وقد عللت "ودود" إمامتها للصلاة بأنها تحاول تأكيد مساواة الرجال والنساء في الإسلام وفي العبادات، وذهبت إلى عدم وجود ما يمنع إمامة المرأة في القرآن ولا السُّنة الصحيحة؛ فالنبي جعل الصحابية أم ورقة الأنصارية تصلي إماماً برهطها، وجعل لها مؤذناً، حسب قولها.

وختاماً، لم ترفض "ودود" التراث بشكل كامل وقاطع؛ بل نظرت إليه من وجهة نظر نقدية نسوية، وأعلنت قبولها الوحي القرآني بشكل كامل باعتباره أحد أهم روافد التراث، كما استعانت بالأحاديث النبوية الصحيحة في بعض آرائها، لكنها رفضت تجاهل المرأة في التراث، سواء عبر تجاهل إسهاماتها الدينية والفكرية أو تجاهل حريتها وقيمتها، حسب قولها. 

بل إنها حاولت إيجاد موطئ قدم للمرأة وحقها في تفسير القرآن الكريم، بشكل يضمن لها الحرية والمساواة والعدل وهي مبادئ قرآنية بالأساس دعت إليها واستخلصت منها أفكارها، لا سيما وأنها ترى أن المرأة مُكلفة مثل الرجل، ولا تكليف دون حرية أو مساواة أو عدل.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

الفرق الشيعية: حدود الاختلافات العقائدية ومرويات الاستناد

09-10-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

حسام الألوسي: المنهج التكاملي والقراءة المعرفية للتراث

15-09-2024

اتجاهات ثقافية

التبرع بالأعضاء: التباينات الفقهية الإسلامية بين الإباحة والتحريم

01-09-2024

لقاءات خاصة

عامر الحافي: مشكلتنا ليست مع الحداثة أو التراث بل مع بعض الحداثيين والتراثيين (الجزء الثاني)

02-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة