الزَّواج المَدَني وَمَدى مُوافَقَتِه للقُرآن.. تَحليل مِن مَنظور قُرآني

02-09-2024

الزَّواج المَدَني هُوَ نَوعٌ مِن صُورِ العُقودِ الاجتِماعِيَّةِ التِي تُبرَمُ بَينَ رَجلٍ وَامرأةٍ لِتَنظِيمِ حَياتِهِما المُشتَرَكةِ وَفقاً للقَوانِينِ المَدَنيَّةِ لِلدَّولةِ. وَهُوَ يُعتَبَرُ رَدِيفاً لِصُورةِ عَقدِ الزَّواجِ التِي تَحصُلُ في المُؤَسَّسَاتِ الدِّينيَّةِ، وَهَذا يَعني أَنَّ كِلا الصُّورتَينِ صَوابٌ، وَالأفضَلُ هُوَ الزَّواجُ المَدَني.

الزَّواج في القُرآن

لَم يَبْدأ القرآن بتشريع الزَّواج لأَنَّهُ عِلاقةٌ إِنسَانيَّةٌ فِطرِيَّةٌ، وإِنَّما نَظَّمَ هَذِهِ العِلاقةَ لِحِفظِ حُقوقِ الطَّرفَينِ وَمَا يَترتَّبُ عَلَيها مِن وَاجِباتٍ وَحُقوقٍ، وَلِلحِفاظِ عَلَى الأُسرَةِ وَسَلامَةِ المُجتَمَعِ. فَالزَّواجُ هُوَ عَقدٌ إِنسَانيٌّ يَهدِفُ إِلَى تَحقيقِ المَوَدَّةِ وَالمَحبَّةِ وَالسَّكَنِ بَينَ الزَّوجَينِ، كَمَا وَرَدَ في الآيَةِ الكَريمَةِ:

“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحمَةً” (الرُّوم: 21).

وَالنَّبيُّ مُحَمَّدٌ تَزَوَّجَ مِنَ السَّيِّدَةِ خَديجَةَ قَبلَ النُّبُوَّةِ وَأَنجَبَ مِنهَا أَولادَهُ وَعِندَمَا بُعِثَ نَبِيَّاً لَم يُغَيِّر عَقدَ زَواجِهِ أَو يعدله لأَنَّهُ عَقدٌ إِنسَانيٌّ صَوابٌ.

الزَّواجُ المَدَنيُّ وَمَبادِئُ الشَّريعَةِ الإِسلامِيَّةِ

يُمكِنُنَا تَحليلُ الزَّواجِ المَدَنيِّ مِن مَنظورٍ قُرآنيٍّ حَنيفٍ كَالتَّالي:

1.  المُساواةُ وَالعَدالَةُ

الزَّواجُ المَدَنيُّ يُعَزِّزُ المُساواةَ بَينَ الزَّوجَينِ وَيَضمَنُ حُقوقَهُما بِشَكلٍ عَادلٍ، وَهُوَ مَا يَتوافَقُ مَع قِيَمِ العَدالَةِ في القُرآنِ الكَريمِ:

“وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ” (النِّساء: 58).

2.  التَّراضِي وَالحُريَّةُ الشَّخصِيَّةُ:

يَعتَمِدُ الزَّواجُ المَدَنيُّ عَلَى تَراضِي الطَّرفَينِ وَحُريَّةِ اختِيَارِهِما، وَهُوَ مَا يَتَماشَى مَع مَبدَأِ الحُريَّةِ الشَّخصِيَّةِ في القُرآنِ:

“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البَقَرَة: 256).

3.  الالتِزامُ بِالعَقدِ:

يُشَدِّدُ القُرآنُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الالتِزامِ بِالعُقودِ وَالعُهُودِ:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ” (المائِدَة: 1).

الأَصلُ في الزَّواجِ هُوَ الحَلالُ

الأَصلُ في الزَّواجِ هُوَ الحَلالُ، وَمَا حَرَّمَهُ المُشَرِّعُ نَصَّ عَلَيهِ وَحَصَرَهُ بِتَحريمِ الزَّواجِ مِنَ الزَّانِيَةِ أوَ المُشرِكَةِ بِعَلاقَتِهَا في النِّكاحِ (العَشِيقِ). أَو المُشرِكَةِ بِاللهِ الَّتِي تَكذِبُ عَلَى اللهِ وَتَفتَرِي عَلَيهِ مَا لَم يُنزِل بِهِ سُلطاناً لأَكلِ أَموالِ النَّاسِ وَاستِباحَةِ أَعراضِهِم وَأَموالِهِم، وَنَشرِ الفَسادِ وَالعُدوانِ بَينَ العِبادِ، أَو تَتَبَنَّى مَفَاهِيمَ جَاهِلِيَّةٍ خُرافِيَّةٍ عُدوانِيَّةٍ تُضِرُّ المُجتَمَعَ وَتَنقُضُ التَّفكِيرَ وَالمَنطِقَ وَتُحَارِبُ العِلمَ.

“الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَو مُشرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَو مُشرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤمِنِينَ” (النُّور: 3).

“ولاَ تَنكِحُواْ المُشرِكَاتِ حَتَّى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكَةٍ وَلَو أَعجَبَتكُم وَلاَ تُنكِحُواْ المُشرِكِينَ حَتَّى يُؤمِنُواْ وَلَعَبدٌ مُّؤمِنٌ خَيرٌ مِّن مُشرِكٍ وَلَو أَعجَبَكُم أُوْلَـئِكَ يَدعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ” (البَقَرَة: 221).

إِضافَةً لِتَحريمِ الزَّواجِ مِنَ الإِنسَانِ الكافِرِ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لِلحَقِّ عَمَلِيَّاً وَمُحَارِبٌ لَهُ بِصَرفِ النَّظَرِ عَنِ انتِمَائِهِ أَو تَقدِيمِ نَفسِهِ تَحتَ أَيِّ اسمٍ.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِن عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤمِنَاتٍ فَلَا تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُم وَلَا هُم يَحِلُّونَ لَهُنَّ” (المُمتحَنَة: 10).

وَهَذا يَنطَبِقُ عَلَى الطَّرفَينِ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ.

الزَّواجُ كَعَقدٍ إِنسَانِيٍّ

الزَّواجُ خَارِجَ هَذِهِ الصُّوَرِ حَلالٌ وَلَو كَانَ هُناكَ اختِلافٌ في العِرقِ أَوِ الفِكرِ (أَهلِ الكِتابِ، أَو غَيرِهِم ما داموا هُم خَارِج صُورِ التَّحريمِ)، مَا دَامَ يَقُومُ عَلَى السِّلمِ وَالسَّلامِ وَالتَّعَايُشِ وَالاحتِرامِ وَالحُقوقِ وَالواجِباتِ. لِأَنَّ عَقدَ الزَّواجِ هُوَ عَقدٌ إِنسَانِيٌّ اجتِماعِيٌّ، وَهَذا يَعني إِباحَةَ الزَّواجِ عُمُوماً مِن كُلِّ فِئَاتٍ وَأطيافِ النَّاسِ.

القاعِدَةُ: هِيَ أَنَّ الأَصلَ في الأَفعالِ الحَلالُ إِلَّا مَا وَرَدَ في القُرآنِ تَحرِيمُهُ أَو النَّهيُ عَنهُ عَيناً. وَلَيسَ كُلُّ حَلالٍ مَقبُولاً اجتِماعِيَّاً، وَيُترَكُ الاختِيَارُ لِحُرِّيَّةِ الإِنسَانِ وَرَغبَتِهِ وَمَا يَرَاهُ مُناسِباً، وَلَيسَ كُلُّ حَلالٍ يُنَاسِبُ الجَمِيعَ. وَلِكُلِّ إِنسَانٍ ظُروفُهُ وَرَغبَاتُهُ.

الخُلاصَةُ

بِنَاءً عَلَى التَّحليلِ القُرآنيِّ، يُمكِنُ القَولُ إِنَّ الزَّواجَ المَدَنيَّ لَا يَتَعارَضُ مَع مَبَادِئِ القُرآنِ الكَريمِ. إِنَّهُ يُمَثِّلُ شَكلاً مِن أَشكَالِ العَقدِ الإِنسَانِيِّ الَّذِي يُمكِنُ تَنظِيمُهُ وَفقاً لِلقَوانِينِ المَدَنيَّةِ، شَرطَ أَن يُحَقِّقَ العَدالَةَ وَالمُساواةَ بَينَ الزَّوجَينِ، وَيَعتَمِد عَلَى التَّراضِي وَالحُرِّيَّةِ الشَّخصِيَّةِ. بِذَلِك، يُمكِنُ اعتِمَادُ الزَّواجِ المَدَنيِّ كَوَسيلَةٍ لِتَنظِيمِ الحَياةِ الزَّوجِيَّةِ في المُجتَمَعَاتِ المُعاصِرَةِ، مَع الحِفاظِ عَلَى القِيَمِ وَالمَبَادِئِ القُرآنيَّةِ الَّتِي تَدعُو إِلَى العَدالَةِ وَالمُساواةِ وَالالتِزامِ بِالعُقودِ.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

العشاء الأخير

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم إسلاموفوبيا

سامر إسلامبولي

02-09-2024

آراء الكتاب

كلمات ومفاهيم تم دسها تحت ظلال القرآن

سامر إسلامبولي

10-09-2024

آراء الكتاب

الهُوية الثقافية والمواطنة في مجتمع متعدد الهُويات الثقافية والأعراق

سامر إسلامبولي

17-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

الرشد للذكور لا غير

رنا زكار

02-09-2024

آراء الكتاب

الثقافة التربصية!

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

الهزيمة الثقافية

احمد الرمح

02-09-2024

آراء الكتاب

مفهوم النقد الذاتي قرآنياً!

احمد الرمح

10-09-2024

ارسل بواسطة